عندما كنت طفلا ستينيات القرن الماضى كانت اغلب منازل القامشلى من التراب والكربيج وكان هناك عدة بنايات فقط من الاسمنت المسلح طاحونة مانوك وعمارة مقابل سينما دمشق وكان فى طابقها الارضى مطعم نورى عيساكى وبناية مقابل نادى الارمن كاثوليك المسمى باسم الاب لوتشيانو وكان هناك ايضا عدة ابنية حكومية . كان الشتاء ماطر وبارد وقاسي بعكس قلوب الناس فى حارتنا . وكنا مساء نلتف حول المدفأة ونستمع الى اغانى الست
فى الراديو وحكايات جارتنا خالة مريم التوجيهية .وفى تلك الايام ولكثرة المطر كانت منازلنا تدلف من السقف ماء ومحبة ونقاءوصفاء وكنا نضع الصحون مكان الدلف (الوكف).لذا كان كل منزل فى القامشلى يجهز نفسه لفصل الشتاء القاسى بكل المعايير من مطر غزير وثلج كثير.
وذلك بتخزين مؤن للاكل مثل الجبنة والزيتون والمربيات والمخللات وكبس اللحمة والقلية. وايضا كان يتم تجهز سقف البيت لكى يتحمل امطار وثلوج الشتاء .
وعند الدخول فى فصل الخريف وبعد افتتاح المدارس باسبوعين كان والدي يقول : بدنا نسيع السطوح .فكان يقول للعربانجى توماس جارنا بان يجلب لنا خمسة عشر عربانة تراب وكان ثمن كل عربانة تراب خمسة ليرات وكان فى القامشلى كثير من العربانجية ومنهم : 1-توماس العربانجى ومنزله خلف منزلنا بشارع كنيسة العذراء للسريان ارثوذوكس مقابل بيت عبى شمعون
2-نعوم حنا وهو والد سعيد نعوم لاعب كرة القدم وجد رياض نعوم فى عام 1935كان لديه سيارة ولكنه كان يفضل ركوب العربانة
3خاجى شرو
4- ابو سليم
وكانت العربانة من خشب ويجرها حصان ولكن عربانة نعوم حنا كانت بحصانين وكانو ا يجلبون التراب من ثلاثة مناطق : 1-من البدن على الحدود مع تركيا
2 من قرية دمخية ( ومعنى كلمة دمخية هو انها كانت فى قديم الزمان فندق للقوافل التجارية ومن هنا جاء اسم دمخية اى دامختو اى النوم بالسريانية حيث كان التجار ينامو ا فيها ويطعمون جمالهم وفى الصباح الباكر يرحلون وهذا التفسير قاله لى الاب الياس رومى
3- ومن قرية الحميرة
وبعد ذلك ياتى دور المعمارجى واذكر منهم :ابلحد حناوى وجان حناوى وماروكى وشابو جورج ولحدو شمعون وميرزا لطى وميرزا شكرى وشابو ايشوع ولحدو سليمان روهم وكورية عيسى وشابو يعقوب وشابو الطويل وكان يلقب بشابو ياريخو ا.
صورة
هذه الصورة من ببيتنا الترابي القديم سنة 1980( بني عام 1930)( وتم هدمه وبناء بناية اسمنتية مكانه عام 1997)
حيث كان والدى يتفق مع احد المعمارجية فكان ياتى عصرا حيث يجهز التراب فيخلط معه وبكميات دقيقة تبن وملح ويرش الخليط بالماء ويترك للصباح حيث يكون الخليط قد اختمر .
وفى الصباح الباكر يحضر معلم العمار ( الهوستا ) ومعه مساعدين ويبدؤا برفع خليط الطين ( الوحل )الى السطح عن طريق رفعه بالسطول المربوطة بالحبل الى السطح المراد سياعه وحيث ان المعلم يستعمل معلقة السياع لفرش الوحل على السطح وكانت عملية السياع هذه تنتهى قبل الليل ويكون قد انهك التعب العمال وتكون امى قد جهزت لهم الغذاء وعادة يكون برغل على اللحمة المكبوسة وكان والدى يقول للعمال على قد المحبة يكون الاكل. وكان العمال ياكلون البرغل وكأن معهم جوع ازلى وبعد ان يشبعوا يكون بريق الشاى العاشرة جاهزا فيشربونه . وياخذون ثمن تعبهم ويرحلون ونودعهم على امل اللقا ءفى احتفالية اخرى فى السنة القادمة.
ويكون الليل قدارخى سدوله ونال التعب جميعنا وتتسابق اختاى سميرة وصونيا لفرش فرشات ( دواشك النوم ) النوم ويكون اخى بيوس الذى دوما كنت انتظر عودته ولا زلت قد عاد الى البيت فنرمى انفسنا على الفراش بعد ان انهكنا التعب وبين كلمة من هنا وضحكة من هناك كنا ننام ولا نشعر الا والبقرة تصيح معلنة قدوم الصباح .
اما الان وبعد ان هدمنا بيتنا الترابى وسجنت نفسى فى علبة اسمنتية ،فأنا أفتقد لضحكاتنا ،لسعادتنا .احاول لملمة ذكريات بيتى الترابى العتيق فأعود على اجنحة الطفولة لذاك الزمن لابحث عن طيف امى وضحكة والدى وابحث بين الزوايا عن ذكرياتى مع اخوتى عندما كنا مجتمعين، سأكتب ذكرياتى قبل ان تضيع منى فى غفلة من الزمن كما ضاعت منى احلامى واكتب قصة عشقى لذاك البيت وخشبات سقفه الثلاثة عشرة . والان انا مؤمن بان الذكريات هى الشئ الجميل الذى بقى فى حياتى فهناك بين تلك الجدران دفنت جزءاكبيرا من روحى.واناالان مريض وعليل بحب ذاك البيت الترابى العتيق ولا اريد الشفاء منه .و تبقى الذاكرة مفتوحة وجرح تلك الايام ينزف على حلم منكسر. واوجاع لا تهدأ على نهاية ما تمنيتها لقصة بيتى ا لترابى .
غرّد أيّها البلبل الشادي
واطرب من في الحي
شدوك أثار ذكريات وأشجان ذهبت بالروح تتفقد أيام زمان
بوركت يا ابن الخالة وانثر ما في جعبتك وأمطر علينا من روحك الطيّبة
سلام الرب معك
سلمت يمناك أخي الحبيب سمره السكره
لقد أسترجعت ذكريات الجميع من منا لم يخرب بيته
ودمرت ذكرياته في عصر التقدم والتتكنولوجيا
كنا في بيت التراب نشم رائحة الذكريات عندما تتساقط
عليه قطرات المطر أم على الكتل الأسمنتية الجامدة
نحترق صيفاً ونموت برداً في الشتاء
لكن ذاك البيت الترابي كان بعكس هذا
كان يلفنا بين ذراعيه بحب وحنان
سلمت وأتحفنا بالمزيد يا مختار القامشلي
بركة الرب معك وأمنا العذراء تحرسك
والرحمة لواديك أسكنهم الرب فسيح جنانه
عندما كنت طفلا
ما اعتقدت بانه سيأتي يوم
واكتب ذكرياتي وذكريات مدينة
قبل ان تمحى من الذاكرة بموت اصحاب الذاكرة
وما اعتقدت بانه سيبقى في الذاكرة اثر
ولكن اكتشفت بانه لم يمر يوم الا ويترك اثر في ذاكرتنا
تحياتي لك
انا البقية الباقية من الزمن الجميل
في المكان الجميل
انثرا لرياحين على دروب الذكريات
علّها تعلم في القلوب الراحلة
وتذكرها بذكريات الاحباب
او القلوب التي تركوها
عند الرحيلالمؤلم وهي تأن موجوعة
شكرا لمرورك