جبل اراراد

حنا
عضو مميز
عضو مميز
مشاركات: 509
اشترك في: الاثنين مايو 04, 2009 4:41 pm
مكان: Syria
اتصال:

جبل اراراد

مشاركة غير مقروءة بواسطة حنا »

بقلم كيراكوس قيومجيان


لم يكن ممكنا ان تظل احاسيسي عادية وانا اسير بالسيارة على مدى ساعة تقريبا بمحاذاة جبل ارارات او ماسيس بقمته المزدوجة في ذلك الصباح المشمس اثناء زيارتي الاخيرة لارمينيا، بل كان الاسى يعتصرني والدمع في عيني على وشك ان ينفجر في كل كيلو متر اقطعها بجوار جبلنا الحبيب الشامخ وانا اشاهد على يميني بوضوح تام تفاصيل قمته العليا الهرمة البيضاء العظيمة الوقورة مع كتلة الغيم الكثيفة عند مستوى لحيته وكأنها وقفت هناك لزيادة هيبته، وأرى سفحه ووديانه والحقول الخضراء المنتشرة حتى خصره، وأرى اخاديد ذوبان الثلوج والامطار على جنبه، ولم اكن مبالغا اذا قلت وكأني ارى دبيب قطعان الماشية ترعى على سفوحه الناعمة واسمع صياح الديوك.


يا له من منظر جميل اخاذ من خلقه سبحانه تعالى انعم به على هذا الجبل المقدس، وخصه بان حطت عليه سفينة سيدنا نوح ومن ذاك الزمن بدأت حياة الانسان والمخلوقات من جديد ومن سفح ذلك الجبل ظهرت حمامة السلام وغصن الزيتون في منقارها وبدأت الحضارات وانزل الرسل والانبياء لما فيه صالح البشرية والخلق اجمعين.


ذكريات ووجدان الشعب الارمني الذي يمتد تاريخه مع ذلك الجبل لأكثر من ثلاثة آلاف سنة بحلوها ومرها مرتبطة بجبل ارارات. فمن هناك عرف هذا الشعب الانتصارات والانهزامات ورأى جحافل الجيوش وخبر الغزوات وعايش البيزنطيين والفرس والرومان والعرب والسلاجقة والروس والعثمانيين فكلهم مروا من هنا وكلهم كتبوا وأرخوا وأدركوا ان الارض التي يقفون عليها والجبل الذي يطلع عليهم هو ارمينيا. لم يقل احد غير هذا ولم تتضمن كتب التاريخ امرا غير هذا، فهذه حقيقة لا يملك احد نكرانها، كما انه معروف للجميع ان القمة الشامخة هي لجبل ارمني عدا الثمانين سنة الاخيرة التي، ولظروف معينة قاهرة، اصبح فجأة الجبل وقمته تركياً بعدما سُلخ ومساحات اخرى من ارض اجداد الارمن لتصبح جزءا من حدود تركيا الحديثة وعلى مرمى حجر فقط من ارمينيا الحالية (عرض مجرى نهر اراكس 50 مترا يفصل بين ارمينيا وجبل ارارات، تركيا الآن).


ان وجود جبل ماسيس خارج حدود ارمينيا والقبول به يشبه قبول العرب حدود القدس الشريف على حافة اسوار المسجد الاقصى وبينهم الجدار الفاصل.


حكايات واساطير ومآثر تملأ الكتب والمجلدات عن قصص وملاحم خالدة لملوك وامراء وابطال الارمن نسجت عبر الزمن عنه وعن تعلقهم وارتباطهم الروحاني بجبلهم العظيم الذي كان ولا يزال يمثل جزءا من تاريخ الارمن الوطني.


من الاغاني اعذبها ومن الاناشيد احمسها ومن الاشعار اجودها نظمت بالآلاف لتتغنى بجبل ارارات وتتغزل به وافئدة فطرت وقلوب سرت وسعدت وعيون مشتاقة ادمعت للسبب نفسه.


كما ملأت صوره المرسومة على الاعلام الوطنية وواجهات دوائر الدولة وفي صدر حائط كل بيت ارمني حول العالم علقت فيه صورته مثلما علقت صورة المسجد الاقصى الشريف في بيوت المسلمين.


لا بد من ان يعود جبل ارارات رمز الخلود الأرمني الى أصحابه قبل ان تمحى آثار اقدام الفلاحين الذين كانوا يجهدون خلف جواميسهم وهم يحرثون حقولهم على سفوحه في رضى تام من عطاء ارضهم وقبل أن يغيب صدى اغانيهم ومواويلهم (هوروفيل) ورقصاتهم في احتفالات الشكر (نافاسارت) التي كانوا يقيمونها في نهاية موسم الحصاد من كل عام منذ فجر التاريخ.


لا بد من ان يعود الشعب الأرمني الى جبل ارارات ويتربى في احضانه المليئة بعبير ازهار الاقحوان والبابونج والليلك الاحمر. وتعود الاجيال الفتية بدلا من ان تتشتت حول العالم في اراض غريبة كانت او صديقة.


لا بد من ان يستجيب القدر ويعود الحق الى اصحابه وتلغى الشروط المجحفة التي فرضت على الشعب الارمني، مجبرا وهو في حالة عجز بين قوتين جبارتين، وهما تركيا وروسيا في ظروف اقليمية شديدة القسوة.


لا بد للحدود من ان تزال وترسم من جديد بحيث تحتضن ارمينيا اراضيها التي سلبت وعلى رأسها جبل ارارات لينتهي بذلك احتلال جبلنا العزيز احد احب مقدساتنا وينتهي معه انينه وغربته وحزنه، ويملأ الحبور قلوب الارمن المفطورة لفقدانه، وتزال الغصة والمرارة عنهم ويعيدون العيش المشترك مع بقية القوميات التي كانت تقيم هناك ويكملون الحضارة الراقية التي اسسوها منذ ايام الفراعنة وقورش الفارسي وسميراميس الاشورية.


وكما قال الشاعر العربي ابو القاسم الشابي:

اذا الشعب يوما اراد الحياة

فلا بد ان يستجيب القدر


وكذلك الارمن يرفعون الدعاء وكلهم ايمان وتفاؤل بالقول "ولا بد ان يستجيب القدر".
صورة
صورة العضو الرمزية
dyra 3laya
عضو مميز
عضو مميز
مشاركات: 323
اشترك في: الأربعاء مارس 25, 2009 9:08 am
مكان: Nederlands

Re: جبل اراراد

مشاركة غير مقروءة بواسطة dyra 3laya »

يسلموا عاشت الايادي على الموضوع الرائع
صورة
أضف رد جديد

العودة إلى ”المنتدى الارمني“