المناضل توما توماس

المشرفون: حنا لبيب خوري،مشرف

صورة العضو الرمزية
dyra 3laya
عضو مميز
عضو مميز
مشاركات: 323
اشترك في: الأربعاء مارس 25, 2009 9:08 am
مكان: Nederlands

المناضل توما توماس

مشاركة غير مقروءة بواسطة dyra 3laya »

في يوم أسود كئيب خطف الموت الشخصية الوطنية العراقية توما صادق توماس ، تاركا ً جرحا ً عميقا ً في قلب كل انسان عرف هذا الرجل او سمع بسيرة حياته التي تجاوزت السبعة عقود . وقد كانت ولادته عام 1925 في بلدة صغيرة يحتضنها جبل أشم ، تلك هي القوش التي يرجع تاريخها الى فترة الدولة الاشورية وهي في أوج عظمتها .

دخل الابتدائية في مدرسة مار ميخا ببلدته عام 1930- 1931 ، وكان عدد صفوفها آنذاك اربعة فقط ومديرها سعيد ججاوي الياموري ( 1899- 1982 ) من مدينة الموصل . كانت عائلته ميسورة الحال نسبيا ً، حيث والده صادق يملك دكانا ً للأقمشة في السوق ، وكان ايضا ً مختارا ً لمحلة ( سينا ) عدة سنوات لرجاحة عقله وشجاعته ، ففي المنطقة وادي خاض فيه معركة ضد اللصوص وهزمهم ، فليس غريب ان يطلق على ذلك الوادي ( وادي صادق توماس ) . لكل تلك الأسباب كان التلميذ توما يرتدي أحسن الملابس ، ووُهب عددا ً من الصفات المميزة ، لذلك كان نموذجا ً لمديره الذي يتحدث عنه في كل عرض صباحي ليقول للتلاميذ : انه قدوة إمامكم في ذكائه وهدوئه وحسن هندامه ، ويختتم حديثه بالقول إن مستقبلا ً رائعا ً بانتظاره .

وكشفت الأيام أي مستقبل صعب خبأته الأقدار لذلك الفتى ، وهو يطاوعه بإرادته الصلبة وذهنه الوقّاد . كانت أمواج الحياة تتقاذفه وتحاول تحطيمه ، لكنه قاومها بشكل قل ّ مثيله .

أكمل دراسته المتوسطة في مدينة الموصل عام 1941 . وفي تلك الفترة كان الكثير من أقرانه يتلمسون طريقهم إلى الجيش الذي أسسه الإنكليز والمسمى ب ( الليفي ) ، وهكذا تقدم للانتساب إليه في عام 1942.

صورة

بعد عدة اشهر من دخوله الجيش أصبح ضابطا ً ( رب أمّة ) وعلى مقربة من النقيب ( رَب تري أمّة ) ياقو أبونا ، والعقيد ( رب خيلَه ) زيـّا . لم ترق له الأوضاع في ذلك الجيش لتسلط الإنكليز عليه فغادره عام 1949 بعد ان قضى سنواته في الحبانية وعبادان وطهران ، وقد سبق خروجه بسنتين ، أقدامه على الزواج من الفتاة الأصيلة ( ألماس حسقيال زلفا ) .

في نفس العام اي 1949 تقدم الى شركة نفط العراق ( آي . بي . سي ) في كركوك فعين محاسبا ً، وهي وظيفة محترمة في ذلك الزمان ، وهناك في مطلع الخمسينات تأثر بالفكر اليساري ، وساهم في النضالات العمالية داخل شركة النفط . بذات الوقت قدم على امتحان خارجي لنيل شهادة الثانوية في كركوك ، فنالها بنجاح وتفوق .

في إعقاب إحداث كركوك الدامية عام 1959 ، تزايدت المضايقات عليه ، مما اضطر الى ترك وظيفته عام 1961 والرجوع الى بلدته ، ليسكن منزله الجميل في قلب محلة ( سينا ) . تردد بعض الاشهرعلى كركوك لاستلام رواتبه ، ثم انقطع نهائيا ً ، وشرع عام 1962 في إنشاء معمل للثلج في قرية ( الشرفية ) التي تبعد عن القوش مسافة ( 5 ) كم جنوبا ً .

تعقدت الاوضاع وظهرت الاخطار في الافق ، واصبح في بعض الايام يترك معمله وبلدته الى الجبل ، مراقبا ً الامور عن كثب ، وخصوصا ً بعد اشتداد القتال بين حكومة عبد الكريم قاسم والحركة الكردية بقيادة الملا مصطفى البارزاني .

غداة وقوع الانقلاب في 8- شباط- 1963 ، رفع السلاح ضده ، فالتف حوله المناضلون ، وخاض اولى صداماته مع سلطة الانقلابيين ببطولة نادرة ، وبمؤهلات عالية في تنظيم العمل العسكري ، وقد إتخذ من دير( الربان هرمزد ) الاستراتيجي مقرا ً له .

ختمت الحكومة معمله بالشمع الاحمر ، واحرقت سيارته امام معمله في الشرفية وسحبتها الى مركز شرطة البلدة ( قشلة ) ليبقى هيكلها هناك فترة طويلة ، كذلك هجرت عائلته واطفاله مرارا ً الى القرى الايزيدية المجاورة ، فكانت موضع الرعاية والاهتمام الكبيرين ، وفي تلك الظروف الصعبة ولد ابنه الصغير ( سردار) وقبله ولد له الاولاد ( جوزيف ، سمير ، صلاح ، منى ، منير ، وماريا ) . احرق منزله مرارا ً ، وفي كل مرة كانت نساء بلدته يهرعن لإخفاء الأشياء المهمة ، كما وكن يعوضن ما يمكن تعويضه من بيوتهن الخاصة .

صورة

عُرض البيت للبيع في المزاد عدة مرات ، بأيعاز من السلطة ، وكان الدلال يقطع سوق البلدة ذهابا ً وأياباً عارضا ً سعره باقل ما يكون ، دون ان يلق النداء آذانا ً صاغية ، فبقي البيت في مكانه رمزا ً على مر السنين . وفي كل الفترات كان مراقبا ً من ازلام السلطة . حين ورود خبر وفاته ، فتح على مصراعيه ليستقبل المئات من المعزين ، قبل ان توصده السلطة ، وتوقف مراسيم التعازي تلك .

بين فترة واخرى كان يتم التوصل الى وقف لاطلاق النار بين السلطة والحركة الكردية ، فيظهر ابو جوزيف في بلدته علنا ً ، وهو في ملابس الثوار مع رجاله الشجعان ، وهم موضع الحفاوة والاستقبال من قبل الاهالي . في مجرى الصراع الدائر والصدامات العسكرية ، نال شرف الشهادة العديد من رفاقه ، فدفنوا في المتون والوديان وسفوح الجبال ، وقسم منهم لا زال مثواهم شاخصا ً في أجمل مكان من دير الربان هرمزد وهم : بطرس جركو ، كوريال هرمز ، حنا عقراوي ، وشقيقان من قرية ارادن . كانت بلدته بخاصة تمده بدماء شابة جديدة بين فترة واخرى .

تعرض لمحاولات اغتيال عدة ، وارسلت السلطة الكثير من المرتزقة والمأجورين لذلك الغرض ، وفي كل مرة كان ينجوا بحكمته وشجاعته . اذكر في عام 1968 ، جاء سعدي أغا ألزاويتي مع قرابة المئة من افراده للقبض عليه في سوق البلدة ، وبدل ذلك وقع الأغا في أسره . واذكر ايضا ً في عام 1969 ، كيف قـُبض على المندس حسن جندي ، في المقر الكائن آنذاك في قرية ( بيرموس ) خلف جبل القوش ، وهو يشهر مسدسه لاغتياله .

خصصت السلطة مبالغ ضخمة لمن يأت به حيا ً او ميتا ً ، وفي معركة 27- 7- 1969 ، والبلدة محاصرة من كل جهاتها ، استطاع ان ينجو من الحصار وهو يخوض معركة جريئة ، مكبدا ً المهاجمين خسائر فادحة ، والعملية تلك ذاع صيتها في كل مكان فيما حصد العدو مرارة الفشل والخيبة. ومن جانبه خسر احد رجاله الشجعان وهو الشهيد صبري الياس دكالي . ظنت السلطة بانه لقي مصرعه ، فجرى اتصال سريع بقائد الفرقة عبد الجبار الاسدي والذي توجه فورا ً بطائرة مروحية الى سهل القوش ، وشرع يقارن بين صورة توما توماس في يده وبين الشهيد ، وهو يميل الى الشك في المسألة ، مما حدا به لاستدعاء القس المرحوم عبد الاحد عوديش ، والاستفسار منه ان كان القتيل توما توماس ، فضحك القس قائلا ً بان القتيل شاب اصغر عمرا ًبكثير من توما توماس ، فامتعض الضابط ، وصرف القسيس بكلام لا يليق برتبته وشرفه العسكري ، لكن ذلك التصرف طبيعي جدا ً في عرف واخلاق السلطة الحاكمة .

غادر العراق في نفس العام اي 1969 الى الاتحاد السوفيتي للدراسة ، لكنه عاد في نهاية عام 1970 ، وفي ذكرى بيان 11- آذار 1971 ، ظهر لاول مرة في بيادر محلة ( قاشا ) ، فألقى كلمة بين حشد من الحاضرين اللذين صفقوا له ورحبوا به اجمل ترحيب ، بعد فترة غياب خارج الوطن .

بعد تموز 1973 ، انتقل عمله الى داخل مدينة الموصل بمقر الحزب الشيوعي العراقي ، سواء في شارع النبي جرجيس او في الدواسة ، هناك عرفه أهلها عن قرب محبا ً للكادحين ، ذو قلب كبير يحمل همومها . في احيان كثيرة كان يقطع الطريق من المقر الى بيوت اقربائه في منطقة ( الساعة ) مشيا ً على الاقدام ، بالرغم من تخصيص سيارة فولكا له من الحزب ، ليطلع على اوضاع الناس ويتحسس نبض الشارع الجماهيري .

لم يدم الحال طويلا ً ، بل كانت سنوات عانى فيها المناضل وعاش متحملاً ضغوطات الحزب ( الحليف ) وخروقاته وعنجهيته . في نهاية عام 1978 اشتدت مطاردته من قبل السلطة الجائرة شأنه شأن عشرات الآلاف في طول البلاد وعرضها ، لكنه استطاع ان يتخلص من الاعتقال ويمضي بصحبة مجموعة من اشد رفاقه جرأة واندفاعا ً الى معاقل الجبال الحصينة عند الحدود الايرانية . هناك اصبحوا في ضيافة الفصائل الكردية التي سبقتهم في خوض حرب العصابات ضد الدكتاتورية .

رفع السلاح مجددا ً ، وبعد فترة نقل مقره الى منطقة بهدينان التي يعرفها جيدا ً ، وقاد عمليات الانصار مرة اخرى بدرجات اعلى من التطور والاستفادة من التجارب السابقة ، فالتحق به العشرات من المناضلين من خارج الوطن وداخله .

عقد تحالفات مع الحركات السياسية الاخرى وخاض عمليات عسكرية مشتركة ، وكان ابرز دور لمسه كل المقاتلين ، ابان الهجوم التركي الاول في ايار 1983 ، ودوره في امتصاص الضربة الغادرة في بشت آشان ، وتخفيف وطأتها الشديدة على قلوب مناضليه .

انتقمت السلطة منه عام 1981 عندما اعتقلت ولده منير ( مواليد 1955 ) ، وهو يقوم بعمله كموظف صحي في منطقة ( الحضر) ، وضيعته الى يومنا هذا. وكذلك تعرضت اسرته للمضايقات المستمرة من دوائر الامن في القوش والموصل ، حتى اضطرت في اواسط 1982 الى الالتحاق بالجبال وتحمل مشاقها وصعوباتها

صورة

تعرض مقره الى ضربات عسكرية متعددة ، ومنها القصف المدفعي والصاروخي والضربات الجوية ، وفي عام 1987 أستخدم السلاح الكيمياوي المحرم دوليا ً ضده ، وادى ذلك الى اصابة واستشهاد العديد من مقاتليه ، منهم الشهيد جوقي سعدون ( ابو فؤاد من قرية دوغات ) والشهيد المهندس ريبار عجيل ( ابو رزكار من زاخو ) .

بعد عمليات الانفال السيئة الصيت عام 1988 ، واختفاء عشرات الالاف من عوائل البيشمركة ، غادر الى سوريا وعاش مع عائلته . وفي عام 1989 استصحب زوجته الى جيكسلوفاكيا للراحة والعلاج ، علما ً بان صحة زوجته اخذت تتدهور جراء ما قاسته من ويلات في مسيرة حياتها ، ورغم ذلك ظلت وفية لزوجها وللمبادئ التي آمن بها ، حتى وافتها المنية في الشام نوفمبر 1991 .

كم كانت فرحته كبيرة في انتفاضة الشعب العراقي آذار 1991 ، وقد عبر عن مشاعره في رسالة وجيزة لي لا زلت محتفظا بها ، وهو يسرد سرعة احتلال الجماهير المنتفضة للمدن والقصبات في كردستان والجنوب ، وكيف كان يحدوه الامل ، وهو يعد نفسه لدخول العراق بعد انفضاض اعمال مؤتمر بيروت ، بان زحف الانتفاضة لن يتوقف الا بتحرير العاصمة بغداد .

صورة

شتان بين آماله وبين ما خطط له الاخرون ، وفي مقدمتهم دول التحالف الغربي والدول العربية والاقليمية وجميعهم لم يستسيغوا سقوط نظام صدام ، فابقوه بشتى الوسائل ، وبالتالي أغرقت انتفاضة الشعب الباسلة بالدم . وقد اثـّر ذلك سلبا ً عليه ، والأمَر من ذلك كله ، اندلاع الصراع المسلح بين الحزبين الكرديين عام 1994 .

لعل ابرز محطة في حياته كانت الزيارة التي قام بها لأميركا وكندا للفترة من 5- تموز الى 20- ايلول / 1994 ، حيث استقبل استقبال الابطال وبما يليق به ، وقد ادخلت تلك الزيارة السرور الى قلبه ، وعبّر مرارا ً في رسائله عن امتنانه لما لقيه من حفاوة في الاستقبال والتوديع .

صورة

يوم 15 من تشرين الاول 1996 كان ابو جوزيف على موعد لمفارقتنا والى الابد من على ارض الدولة الجارة المضيفة سوريا ، وليوارى الثرى في ارض وطنه الحبيب بمدينة دهوك في مراسيم حزينة ومهيبة يعجز القلم عن وصفها .

كانت تلك صفحات مشرفة من حياة المناضل الفقيد توما توماس ، وقد سلطنا الضوء على جوانب مختصرة من سيرة هذا الرجل المفعمة نكران ذات في سبيل ( وطن حر وشعب سعيد ) ، وقد حال الموت المفاجئ دون ان يراه ، ولا يزال الطريق الذي سلكه يتسع لاشد المناضلين بأسا ً وقوة .



صورة
صورة العضو الرمزية
dyra 3laya
عضو مميز
عضو مميز
مشاركات: 323
اشترك في: الأربعاء مارس 25, 2009 9:08 am
مكان: Nederlands

Re: المناضل توما توماس

مشاركة غير مقروءة بواسطة dyra 3laya »

Nawart Elmotho3 Thnx
صورة
أضف رد جديد

العودة إلى ”المنتدى الازخيني“