الموسيقا السريانية الكنيسة (الجزء 1-10)

صورة العضو الرمزية
ابن السريان
مدير الموقع
مدير الموقع
مشاركات: 4439
اشترك في: الخميس إبريل 23, 2009 4:36 pm

الموسيقا السريانية الكنيسة (الجزء 1-10)

مشاركة غير مقروءة بواسطة ابن السريان »


الموسيقا السريانية الكنسية
(الجزء الأول)

بقلم: نينوس اسعد صوما
ستوكهولم


مقدمة عامة:

رغم العنوان الشامل لمقالنا هذا "الموسيقا االسريانية الكنسية"، إلا أننا نعالج فيه فقط موسيقا الكنيسة السريانية الارثوذكسية الانطاكية دون التحدث عن موسيقا الكنائس السريانية الأخرى، على أمل ان يقوم البعض من أبناء التراث الموسيقي السرياني الخاص بالكنائس السريانية الأخرى بالكتابة عن موسيقا كنائسهم السريانية ليكتمل الموضوع.

ويعالج مقالنا موضوع موسيقا "الكنيسة السريانية الارثوذكسية" في نشأتها وتطورها وسلمها الموسيقي ونظامها اللحني، ونصحح فيه بعض المفاهيم الخاطئة والمتداولة بين السريان من مثقفين وغيرهم، والتي تراكمت مؤخراً بينهم وقبلوها كمسلّمات دون أن يجهدوا أنفسهم للتأكد من صحّتها والبحث عن حقيقتها، وخاصة فيما يتعلق بنظام الكنيسة اللحني وسلمها السباعي وآداء الالحان.

لكن قبل ان ندخل أروقة الموضوع لا بد من وقفة عامة عند بعض النقاط والتعابير الموسيقية العامة لنشرحها ونقدمها للقارىء الكريم وثم ندخل في صلب موضوعنا أي الموسيقا الكنسية السريانية.

وكل ما ساقدمه هنا من جديد حول الموسيقا الكنسية السريانية مبني على ملاحظاتي، وكل المعلومات المطروحة هي على الأغلب من إستنتاجاتي الشخصية التي توصلت اليها من خلال خبرتي العملية في المجال الموسيقي الكنسي، بالإضافة الى ما اطلعت عليه من أبحاث العلماء في الموسيقا الشرقية، ومنها ما قدمه لنا العلامة السرياني غريغوريوس ابن العبري (1226-1286) من دراسة حول الألحان الكنسية، وما كتبه البطريرك اغناطيوس افرام الأول برصوم (1957-1887) في كتابه الشهير "اللؤلؤ المنثور" عن هذا الموضوع، والكتب الكنسية مثل كتاب "الشحيمو"، وكتب سريانية تاريخية وأدبية.
أما ما يتعلق من شروحات لبعض الطقوس فأعتمدنا على كتاب "تفسير القداس" للمطران اسحق ساكا، كما أعتمدنا على الكتاب المقدس بجزئيه القديم والجديد في سرد بعض الحوادث التاريخية الدينية، وكذلك على بعض التواريخ العربية مثل الطبري والكامل في التاريخ، واستندنا لبعض المراجع الموسيقية مثل كتاب "الموسيقا النظرية" للباحث الموسيقي سليم الحلو، وعلى الإنترنيت وبعض وسائل التواصل الإجتماعي للتأكد من صحة بعض المعلومات العامة.
فمنذ عشرين سنة وأنا مهتم بالموسيقا الكنسية وأتعاطى معها بشكل عملي في الكنيسة السريانية الارثوذكسية في ستوكهولم كمعلم لجوقتها ومرافق لإنشادها في العزف. لذلك أتقبل كل نقد أو إضافة من الضليعين بالموضوع برحابة صدر.
ومن خلال درسي وعزفي للأناشيد الكنسية، قمت بإعادة طريقة غناء الكثير من هذه الأناشيد السريانية إلى طبيعتها اللحنية الأساسية مرتكزاً على الصفات الإنسانية لألحانها، وأسسها الكنسية الدينية الصحيحة، كمحاولة لإعادة جوهر الألحان الى أصولها وغاياتها الدينية.
خاصة تلك التي وصلت لنا وفيها بعض التناقض بين طريقة آداء اللحن والمضمون الديني للنص الغنائي. وكذلك قمت بإعادة آداء الألحان الكنسية إلى شرقيته وسريانيته الصحيحة في الإنشاد الجماعي (من قبل الجوقة) وفي الإنشاد الفردي (من قبل المنشد والمؤدي)، للخروج من عباءة الآداء الغربي الذي يفرض نفسه وبقوة على غناء معظم الجوقات السريانية في الشرق والغرب.
وقمت أيضا بمحاولات لإستنباط السلالم الموسيقيه الصحيحة لقسم من الألحان بطريقة توزيع الكومات على سلمها السباعي. وبتجارب صغيرة في ضبط أوزان لبعض الأناشيد وتحديد مجموعة الضغوط المتواجدة في اللحن، مع الإحتفاظ بهيكل اللحن وجوهره وعدم المس بمجرياته وأهدافه.
ولإستعمال تعابير صحيحة ودقيقة في مقالنا، أفضل إستعمال الكلمات: ألحان وأناشيد وتراتيل، عوضاً عن كلمة موسيقا التي تعني اليوم العنصر النغمي المجرد من الغناء، وهذا الأمر سيبرز بكثرة في الأجزاء القادمة من المقال.

أما مقالنا هذا فيضم مواضيع أساسية عدة وأهمها:
مقدمة عامة للموضوع عن ماهية الموسيقا. الموسيقا السريانية ونظام الألحان الكنسية وأصله. منشأ الألحان الكنسية. الفرق بين النظامين السرياني واليوناني. وخصائص الإنشاد السرياني الكنسي.
وكل موضوع يقسم الى عدة أجزاء صغيرة سنناقشها بموضوعية، وسننشرها تباعاً في سلسلة من المقالات.

مدخل إلى الموسيقا
والموسيقا كلمة يونانية مشتقة من اسم ربة الغناء اليونانية "موسا" ، وهي "لغة" يُعبر بواسطتها عن أحاسيس ومشاعر الإنسان وفكره، ويستخدمها في معظم مجالات حياته. وتتولد من الأصوات الصادرة من الطبيعة والإنسان والحيوانات والطيور والآلات الموسيقية وغيرها، لكن الموسيقا بمفهومها الفني السامي هي إنتاج فكري إبداعي راق يتطرق لمواضيع عقلانية بحتة كالقدر أو صراع الخير والشر، أو الهزيمة والإنتصار، أو يترجم ما يختلج في نفس الإنسان من شعور وما في قلبه من أحاسيس إلى موسيقا، كالحب والكراهية أو الفرح والألم وغيرها.
ويمكن أن يؤثر هذا الإنتاج الفكري على السامع ويولد في أعماقه الكثير من المشاعر المختلفة مثل السعادة والحزن.
وتتكون الموسيقا من عنصرين جوهريين هما الصوت والزمن:
أما الصوت فينشأ من إهتزاز ذرات الأجسام الرنانة، ويُسمع صداه بواسطة الأثير. وينتج من تركيب طبقات الصوت المتآلفة لحن ما، قد يُغنى أو يُعزف بواسطة الآلات الموسيقية.
أما الزمن فهو مدة مكوث الصوت وإستمراريته، وله قياسات دقيقة جداً تستعمل في النوطة الموسيقية. ويتم تدوين الصوت والزمن على السلم الموسيقي بإستخدام علامات موسيقية معينة، مع مفاتيح خاصة وأوزان مناسبة لعزفها أو لغنائها لاحقا.
والموسيقا من العلوم الموزونة التي تعتمد على النظام ووحدة الحركة والسكون. وهذا العلم الموزون مبني على قواعد الصوت وضوابط الزمن، ويستند إلى قياسات وموازين كثيرة ودقيقة للغاية مختلفة ومتنوعة، ويبحث في ترتيب وتعاقب الأصوات المختلفة في الدرجة وفي تآلف الأصوات وتناسبها، بحيث تكون متفقة ومنسجمة غير متنافرة، كي تتركب منها نغمات تستسيغها الأذن أثناء العزف والغناء والتلحين. كما أن هذا العلم يبحث في تنظيم وتركيب النغمات والعلاقات فيما بينها، وفي تركيب أوزان الأنغام والإيقاعات والأشعار.
وهناك علم في الموسيقا يُعرف بعلم تكوين (بناء) السلالم الموسيقية وإستخراج النغمات من قاعدة الدوران الموسيقية العجيبة (دائرة الرابعات والخامسات لإستخراج علامات التحويل المسماة دييز: الرافعة نصف درجة موسيقية، وبيمول: الهابطة نصف درجة موسيقية)، وبناء السلالم عن طريق جمع الأجناس الموسيقية.
وأخيراً يتم تحويل المعرفة والموهبة الموسيقية في هذا المجال إلى صناعة حقيقية تسمى بصناعة الموسيقا لتنفيذ الأعمال الموسيقية من قبل موسيقيين محترفين في الاستوديوهات، أو في عرضها أمام الجمهور بواسطة اوركسترات موسيقية في صالات فخمة، وقد ترافقها كورالات محترفة ومغنيين أوبراليين في حالة الموسيقا الغربية. وأما في الموسيقا الشرقية فتكون مغناة في معظمها، ليستمتع بها الإنسان أو لتحاكي مشاعره وهمومه النفسية.
وقد قيل في الموسيقا مقولات جميلة للغاية من بعض مشاهير التاريخ ومنهم: كونفوشيوس (479-551 ق.م): حيث قال: "إذا أردت أن تتعرف على رقي بلد ما، وما يحفظه من مدنية، فأنظر الى موسيقاه". ومنهم أيضاً الفيلسوف اليوناني افلاطون (428-348 ق.م) بقوله: "الموسيقا جزء هام من ثقافة المجتمع"، وكذلك: "علمنا الإختبار أن نؤسس تهذيب الناشئة على تعليمهم الموسيقا لأنها تربي العقل، وعلينا أن نعالج العقل بالموسيقا أولاً ثم نفوض إليه المعالجة المختصة بالجسد".
وقال الفيلسوف السرياني غريغوريوس ابن العبري (1226-1286م): "الموسيقا غذاء للروح".
وأجمل ما قاله الأديب السرياني اللبناني جبران خليل جبران (1883-1931 م): "الموسيقا كالمصباح تطرد ظلمة النفوس وتنير القلب وتطهر أعماقه".

ويتبع في الجزء الثاني

الموسيقا السريانية الكنسية
(الجزء الثاني)
بقلم: نينوس اسعد صوما
ستوكهولم
توضيحات لبعض المصطلحات الموسيقية الهامة
قبل أن أعالج موضوع الموسيقا السريانية الكنسية سأقف بإختصار عند بعض التعابير والمصطلحات الموسيقية لأشرحها للقارىء الكريم ليتجهز بها عند قراءة الموضوع.
السلم الموسيقي:
يتكون السلم الموسيقي من سبع درجات موسيقية، هي: Do, Re, Mi, Fa, Sol, La, Si.
ومع إستعمال الدرجة الثامنةDo والتي هي تكرار للدرجة الأولى وتسمى الجواب، يكتمل السلم الموسيقي ويسمى بالعربية الديوان، ويعرف عالمياً بالاوكتافOctavus ، ويتكون الأوكتاف من ثمان درجات موسيقية، تقسم الى أنصاف درجات عددها 13 نصف درجة موسيقية، ويسمى بالسلم الملون أو السلم الكروماتي.
المسافة الصوتية أو البُعد الصوتي:
تتكون المسافة الصوتية من الصوت المحصور بين درجتين موسيقيتين، أي هي الفارق الصوتي الناتج من الإنتقال بين درجتين موسيقيتين صعوداً أو هبوطاً، كالإنتقال بين درجتي Do و Re، وتسمى هذه المسافة "بالبُعد الصوتي" أو "البُعد الطنيني"، وتقاس مسافته بعدد معين من الذبذبات الصوتية، وهذا البُعد الصوتي هو اليوم مقدار واحد في كل موسيقات العالم.
ويتكون السلم الموسيقي (الاوكتاف أو الديوان) من سبع مسافات صوتية متسلسة مختلفة الأبعاد، وتكون في السلم الموسيقي الغربي الكبير على نحو: (بُعد، بُعد، نصف بُعد، بُعد، بُعد، بُعد، نصف بُعد). والسلم الملون الكروماتي يتكون من 12 وحدة متساوية من أنصاف الأبعاد الصوتية.
علامات التحويل الموسيقية:
إن علامات التحويل الموسيقية مهمتها تحويل المسافات الصوت الكاملة الى أنصافها وتوضع هذه العلامات على المدرج الموسيقي بجانب مفتاح وميزان المدرج.
وعلامات التحويل هي:
1- علامة " دييز , الرافعة" ومهمتها رفع العلامة الصوتية الى نصف درجة. ( مثل: دو دييز اي درجة دو مرفوعة نصف درجة ).
2- علامة "بيمول , الخافضة" فمهمتها خفض الدرجة الصوتية الى نصفها. ( مثل: ري بيمول اي درجة ري منخفضة نصف درجة ).
3- علامتا التحويل الشرقية وهي: "نصف دييز" الرافعة ربع درجة صوتية و "نصف بيمول" الخافضة ربع درجة صوتية. ومهمتاهما هي الخفض او الرفع من قيمة الدرجة الصوتية ربع صوت لنحصل على مسافة الثلاثة أرباع الصوت الموجودة في سلالم المقامات الشرقية.
4- علامة "بيكار" مهمتها إعادة الدرجة المتأثرة بإحدى علامات التحويل إلى طبيعتها الصوتية السابقة.
الكوما الموسيقية:
يُقسم البُعد الصوتي الكامل الى تسعة أجزاء صغيرة يسمى الجزء الواحد منه "كوما"، ويقسم البُعد إلى نصفين، ونصف البُعد هذا يرتكز على الكوما الخامسة، ثم يقسم نصف البعد إلى ربعين، ويرتكز ربع الصوت الخافض على الكوما الثالثة، وبذلك نحصل على ثلاثة أرباع الصوت التي تتميز به الموسيقا الشرقية، (إذا كان الفرق الطبيعي بين العلامتين نصف بُعد صوتي، مثل البعُد الصوتي بين Mi, Fa)، والذي يقال له خطأ "ربع الصوت".
ويرتكز ثلاثة أرباع الصوت المرتفع على الكوما السابعة، (إذا كان الفرق الطبيعي بين العلامتين بُعد صوتي كامل، مثل البُعد الصوتي بين La, Si).
وكوما واحدة زائدة أو ناقصة لها أهمية كبرى في إضافة مذاق خاص ونكهة معينة في الموسيقا الشرقية، وتعطي لموسيقا شعب ما أو منطقة ما، هوية موسيقية مميزة عن غيرها.
وتتميز ألحان الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية بشكل عام بإستعمال الكوما المرتفعة في سلالمها الموسيقية الشرقية، مما يعطيها هذا الأمر جزءا هاماً من هويتها وشخصيتها وخصوصيتها، ويميزها عن موسيقات شرقية أخرى بعيدة عنها كالموسيقا المصرية المعاصرة التي تستعمل كوما منخفضة في سلالمها الموسيقية مما تكسبها نكهة وهوية مختلفة في ألحانها الشرقية الخاصة بها.
الجنس الموسيقي:
يتكون الجنس الموسيقي من أربع درجات موسيقية تحصر فيما بينها ثلاث مسافات صوتية متوالية ومتوافقة ومختلفة الأبعاد، لكنها لا تتعدى البعدين والنصف، أمثلة:
- . بياتي يتكون من: بُعد ذو ثلاثة أرباع الصوت+ بُعد ذو ثلاثة أرباع الصوت+ بُعد صوتي كامل.
- . نهوند يتكون من: بُعد كامل + نصف بُعد + بُعد.
- . حجاز يتكون من: نصف بُعد + بعد ونُصف + نُصف بُعد.
ونلاحظ بأن مجموع المسافات في جميع الأجناس السابقة هي متساوية الأبعاد الصوتية ومقدارها بُعدين ونصف. وهناك أجناس كثيرة في الموسيقا الشرقية منها: . راست، . عجم، . كرد ...... والخ .
أما إذا نقص الجنس عن البُعدين والنصف فيصبح جنساً ناقصاً، مثل . الصبا الذي يتكون من: بُعد ذو ثلاثة أرباع + بُعد ذو ثلاثة أرباع + نصف بُعد، ومجموعها فقط بُعدين.
وإن بعض ألحان الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية تحوي أجناساً من هذا النوع.
وإذا زاد الجنس عن البُعدين والنصف وأصبح جنساً ذو خمس درجات موسيقية تنتج أربع مسافات صوتية سمي جنساً زائداً أو عقد موسيقياً، مثل عقد "نوى أثر" أو عقد "نكريز" الذي يتكون من: بُعد + نصف بُعد + بُعد ونصف + نصف بُعد. ومجموعها ثلاثة أبعاد ونصف.
وأما السلم الموسيقي (الديوان او الأوكتاف) فيتكون من جنسين موسيقيين، هما الجنس اﻷدنى والجنس الأعلى، وكل . يتكون من أربع درجات موسيقية، أي من بُعدين ونصف، ويفصل الجنسين مسافة صوتية تسمى فاصل طنيني، ومجموع أبعاد الجنسين مع الفاصل الطنيني (أي الأوكتاف) هي سبعة أبعاد صوتية غير متساوية المسافات.
المقام الموسيقي:
إن الصعود والهبوط على سلم الدرجات الموسيقية الثمانية العدد، والتي تحصر فيما بينها سبعة أبعاد صوتية متتالية ومختلفة المسافات، تصدر لحناً ميلودياً معيناً له نغمة خاصة تسمى بالمقام. وهناك مقامات عديدة وكل مقام له اسمه الخاص الذي يعرف به، وأسلوبه المتميز في سير العمل فيه، وملامحه الموسيقية، وشخصيته الخاصة، مما يميزه عن بقية المقامات الأخرى.
وبتبديل ترتيب الأبعاد الصوتية على السلم الموسيقي، يتبدل اللحن أو النغمة الميلودية ويتبدل المقام أيضاً، مثل مقام الراست ومقام البيات ومقام النهوند ومقام العجم وغيرها.
ويتكون المقام عادة من جنسين موسيقيين، أدنى وأعلى، وأحيانا أكثر من جنسين، فكلما يتوسع اللحن بتكوينه السلمي ويتنوع بنغماته يزداد عدد أجناسه الموسيقية، وربما تصل إلى أربعة أجناس صوتية متداخلة ومتوافقة من حيث التركيب والسمع. وهذا مثل توضيحي في كيفية بناء نغمات مقام الراست فقط من جنسين:
. راست أدنى ذو أربع درجات يرتكز على درجة Do. أي ( دو- ري- مي هابطة ربع – فا ) ويحصر ثلاثة أبعاد مختلفة هي بُعد كامل+ ثلاثة أرباع البُعد + ثلاثة أرباع البُعد.
وجنس راست آخر أعلى ذو أربع درجات يرتكز على درجة Sol. أي ( صول- لا- سي هابطة ربع- دو ) ويحصر ثلاثة أبعاد مختلفة هي: بُعد كامل + ثلاثة أرباع البُعد + ثلاثة أرباع البُعد، ويفصل الجنسين فاصل طنيني (بُعد كامل) بين درجتي Fa وSol . وبتبدل نوع أو نغمة الجنس الأعلى يتبدل إسم المقام أيضا، ويكون في هذه الحالة من تفرعات المقام.
ومن المقامات المعروفة والغير المعروفة:
مقام اليكاه، مقام فرحفزا، مقام شت عربان، مقام عجم عشيران، مقام شوق إفزا، مقام حسيني عشيران، مقام سوزدل، مقام العراق، مقام راحة الأرواح، مقام فرحناك، مقام كوشت، مقام الرست، مقام سوزناك، مقام سازكار، مقام حجاز، مقام حجازكار، مقام نكريز، مقام حجازكاركرد، مقام نهوند، مقام نوروز، مقام زنجران، مقام البياتي، مقام أصفهان، مقام عشاق مصري، مقام صبا، مقام عرضبار، مقام السيكاه، مقام نيشابور، مقام جهاركاه، مقام النوى، مقام الحسيني، مقام الأوج، مقام الماهور. وهناك المئات من المقامات وتفرعاتها.
ملاحظة:
تختلف بعض البلدان في أسماء المقامات رغم تطابق سلالمها الموسيقية، وليس بالضرورة أن تتفق جميع البلاد على مسميات مقاماتها، وقد تختلف أيضاً في سير عملها الذي يكسب موسيقاها روحاً مغايرة عن بلاد أخرى، لتتميز بهوية مقامية مستقلة عن غيرها مثل المقامات العراقية.
السلم الموسيقي السباعي:
إن السلم الموسيقي (الديوان) يتكون من ثمان درجات موسيقية، أو من سبعة أبعاد صوتية متسلسة ومختلفة المسافات، لكنها متوافقة في تنظيمها السمعي وغير متنافرة، سميت بالسلم السباعي الأبعاد.
إن معظم الأمم والشعوب التي تستعمل السلم السباعي، تختلف سلالمها السباعية عن بعضها بسبب إختلاف في مسافات أبعادها الصوتية. لإختلاف هذه الشعوب عن بعضها بعاداتها وتقاليدها وبلغاتها ولهجاتها وأذواقها وظروف تطورها.
وهناك خلط كبير عند البعض بين مفهومي السلم السباعي والسلم الموسيقي (الديوان)، ورغم إرتباطهما ببعضهما، فالسلم الموسيقي (الديوان) هو تتابع الدرجات الموسيقية الثمان، وأما السلم السباعي فهو سلسة الأبعاد الصوتية السبعة المتوافقة التي يحصرها السلم الموسيقي بين درجاته.
السلم الموسيقي الخماسي:
يتميز السلم الخماسي بأنه يتكون من خمس درجات موسيقية تتضمن أربع مسافات صوتية مختلفة الأبعاد، وأهم هذه المسافات التي توضح معالم هذا السلم هي المسافة ذات البُعدين الكاملين.
إن ترتيب المسافات الصوتية الأربع المختلفة الأبعاد ينتج نغمة جميلة ورائعة لها ميزاتها وهويتها ونكهتها وخواصها الموسيقية.
إن البعض من الشعوب يستعملون إلى جانب السلم الخماسي الأساسي ذي الأبعاد الصوتية الأربعة، سلم خماسي آخر ذي أبعاد صوتية خمسة، وهذا السلم الأخير يتكون من ست درجات موسيقية تحوي على خمس مسافات صوتية مختلفة الأبعاد، وأهمها المسافة الصوتية ذات البُعدين الكاملين ويستعمل هذا السلم في موسيقا السودان إلى جانب السلم الخماسي، وكذلك يستعمل اليوم للمزج والإنتقال بين السلمين الخماسي والسباعي لأنه يحوي النكهتين.
وبشكل عام تستعمل السلم الخماسي العديد من الشعوب الافريقية، منها السودان وأثيوبيا واريتريا والصومال وغيرها، وكذلك بعض الشعوب الآسيوية مثل الصين واليابان وكوريا وفيتنام وغيرها.
لكم تحياتي
ويتبع في الجزء الثالث



الموسيقا السريانية الكنسية (الجزء الثالث)

السلم السباعي والشعوب القديمة، أصل السلم الموسيقي السباعي الأبعاد:
لقد رافقت الموسيقا الإنسان منذ وجوده على الأرض، وأن جميع الشعوب القديمة، مهما بلغت من التقدم والحضارة أو الجهل والتخلف، كانت تملك نوعاً من الموسيقا الخاصة بها، ومعظمها استعملت إما السلم الموسيقي السباعي او السلم الموسيقي الخماسي، وهذا واضح من نتاجات الشعوب الموسيقية التي استمرت لغاية اليوم. إذ أن كل الشعوب كانت لها موسيقاها الخاصة بها واخترعت آلاتها الموسيقية وطورتها خلال مجرى تاريخها. والسلم الموسيقي السباعي لم يكن مقتصراً على أمة معينة كما أدعى البعض.

ومن الشعوب القديمة التي استعملت السلم الموسيقي السباعي نذكر: السومريين والآكاديين والآشوريين والكلدانيين والحثيين والحوريين والأوغاريتيين والكنعانيين والآراميين (السريان) والعبرانيين والفراعنة والشعوب الهندية والفارسية والشعبين اليوناني والروماني، وغيرهم. ولازال قسم من هذه الشعوب التي لا زالت مستمرة في الوجود تستعمله في موسيقاها، كاليونان والفرس والمصريين والسريان.

للأسف لا نعلم شيئاً كثيراً بدقة وتفاصيل عن السلم السباعي القديم عند السومريين والآكاديين والآشوريين والحثيين والآموريين وغيرهم، لأن هذه الشعوب زالت من مسرح الوجود، وزال معها سلمها الموسيقي ولغتها وحضارتها، ولم يبق شيء منها سوى تلك الأطلال التي بقيت شاهدة على عظمة وحضارة هذه الشعوب ومدى تقدمها وازدهارها. لكن علماء الأثار أكدوا مؤخراً من خلال اكتشافاتهم في الحفريات بأن تلك الشعوب كانت متطورة جداً موسيقياً، وكانت لديها آلات موسيقية كثيرة ومتطورة، قسم منها استمر في الإستعمال ووصلت لنا كما كانت عليه لكن مع تغييرات طفيفة في شكلها وفي إمكانيات إستعمالها، مثل آلات العود والناي، وبعض الطبول. لكن أهم حدث مكتشف كان السلم الموسيقي السباعي الذي استعملته هذه الشعوب وعلى رأسها السومريين. وليس بالضرورة أن تتفق جميع السلالم الموسيقية السباعية لجميع هذه الشعوب بمسافاتها الصوتية.

إن أقدم السلالم الموسيقية التي وصلت إلينا عبر تداولها وإستمرارها دون انقطاع كان السلم الموسيقي السباعي اليوناني من القرن السادس قبل الميلاد. فإن كان هذا السلم متكاملاً ومنتظماً في حسابات أبعاده الصوتية في القرن السادس قبل الميلاد، فهذا يعني أن هذا السلم أستعمل في اليونان قبل ذلك الوقت ربما بفترة طويلة جداً، وتناقلته الأجيال شفهياً لغاية وصوله الى فلاسفة اليونان الأجلاء (كانت الموسيقا قديماً جزءاً من الفلسفة)، فأشتغلوا عليه بشكل علمي دقيق، وعملوا على تطويره وتنظيمه وحساب أبعاده الصوتية بدقة، لينتشر في المشرق القديم كله وفي الغرب أيضاً.

وبسبب العلاقات التجارية والقرب الجغرافي بين شعوب شاطىء البحر المتوسط والداخل السوري والأناضول وآسيا الصغرى واليونان، أثرت شعوب المنطقة على بعضها وأنتقلت بعض مظاهر الثقافة المشتركة بين بعضها كأنتقال الأبجدية الفينيقية/الآرامية إلى اليونانيين. وبفضل حركة التأثير الثقافي بين تلك الشعوب، نعتقد بأن السلم الموسيقي الأوغاريتي أنتقل بدوره إلى اليونانيين وأصبح الركن الأساسي الذي أسس عليه السلم الموسيقي اليوناني المتطور. إن السلم الموسيقي اليوناني إذاً وكما نعتقد قد تطور مباشرة من السلم الموسيقي الأوغاريتي وأستعمله أبناء اليونان فترة طويلة لغاية وصوله ليد الفلاسفة اليونان واشتغالهم عليه وتطويره وحساب وتحديد مسافات أبعاده الصوتية، ليعود بعدها الى الشرق سلماً موسيقياً متكاملاً.

وما يدعم الرأي بأن السلم اليوناني متطور عن السلم الأوغاريتي هي التأثيرات الفينيقية والكنعانية والآرامية الواضحة في معالم الحضارة اليونانية، وإستعارة اليونان الكثير من أركان ثقافتهم وحضارتهم منهم، وخاصة أبجدية الكتابة اليونانية.
ﻓﻔﻲ ﺳﻨﺔ 1948 اﻛﺘﺸﻔﺖ اﻟﺒﻌﺜﺔ اﻷﺛﺮﯾﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ أقدم نوطة موسيقية في العالم تعود لعام 1400 ق.م، في مدينة أوغاريت التاريخية في موقع رأس شمرا الواقعة على الساحل السوري وإﻟﻰ الشمال من ﻣﺪﯾﻨﺔ اﻟﻼذﻗﯿﺔ ﺑﺤﻮاﻟﻲ 9 ﻛﻢ، وتبين أن هذه النوطة مبنية على السلم الموسيقي السباعي الأبعاد.

وﻛﺎﻧﺖ أوﻟﻰ اﻟﺘﻔﺴﯿﺮات ﻧﺘﯿﺠﺔَ ﺑﺤﺚٍ ﻗﺎم ﺑﮫ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻷﺛﺮي اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ "ﻋﻤﺎﻧﻮييل ﻻروش" وﻧﺸﺮھﺎ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺔ "أوﻏﺎرﺗﯿﻜﺎ" وﻗﺪ ﺟﺎء بنتيجة أن اﻟﺮﻗﯿﻢ الأوغاريتي ﯾﺤﻤﻞ أﻧﺸﻮدةً ﻣﻮﺟﮭﺔ إﻟﻰ إﺣﺪى آﻟﮭﺎت اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ.
إلا أن اﻟﻐﻤﻮض يكتنف ھﺬا "اﻟﺮﻗﯿﻢ اﻷوﻏﺎرﯾﺘﻲ" لأﻧﮫ ﻣﺪون ﺑﻠﻐﺘﯿﻦ وﻟﻐﺎﯾﺘﯿﻦ، اﻟﺠﺰء اﻟﻌﻠﻮي ﻛﺘﺐ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﺤﻮرﯾﺔ، وفيه ﻋﺒﺎرات ﺷﻌﺮﯾﺔ رﻗﯿﻘﺔ ﻣﻮﺟﮭﺔ ﻟـ ﻧﯿﻜﺎل زوﺟﺔ إﻟﮫ اﻟﻘﻤﺮ.. أﻣﺎ اﻟﺠﺰء اﻟﺴﻔﻠﻲ ﻣﻦ اﻟﺮﻗﯿﻢ ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻐﺮق ﺗﻔﺴﯿﺮُهُ وﻗﺘﺎً أطﻮل، واﺳﺘﻨتِج أﻧﮫ اﻟﻨﻮطﺔ اﻟﻤﻮﺳﯿﻘﯿﺔ ﻟﮭﺬه اﻷﻧﺸﻮدة، وھﺬه اﻟﻨﻮطﺔ ﻣﺪوﻧﺔ ﺑﺎﻟلغة الآﻛﺎدﯾﺔ ذات الكتابة اﻟﻤﻘﻄﻌﯿﺔ (المسمارية) اﻟﺘﻲ ﺳﺎدت ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ وكانت لغة الشرق الاوسط.

وعزف علماء الموسيقا في القرن العشرين هذه المقطوعة الموسيقية عدةِ مراتٍ وبمراحلٍ مختلفة، بعد أن تعمق علماء الآثار والموسيقا في تفسير الرموز الموسيقية الموجودة في الرقيم الأوغاريتي، وفي النص الشعري المكتوب عليه باللغة الحورية (نسبة الى الحوريين الذين حكموا مساحات واسعة من بلاد المشرق لمدة تجاوزت الاربعمائة عام)، وإجراء تعديلات جديدة على التدوين الموسيقي.
وللعلم كانت البعثة الأثرية الفرنسية قد اكتشفت 36 رقيماً تحوي أشعاراً لأغانٍ باللغة الحورية (أي 36 أنشودة)، لكن معظم هذه الرقيمات كانت تالفة ومتآكلة وغير متكاملة سوى الرقيم المصنف (H-6) الذي كان فقط بحالة سليمة، وهو الذي يحوي النص الشعري للأنشودة والنوطة الموسيقية.

وأغلب هذه الرقيمات تحوي أسماء شعراء (كتاب) نصوصها الشعرية، ما عدا الرقيم السادس المتكامل والذي ومع كل أسف لا يحوي اسم شاعره.
يعود الفضل في القراءة الجديدة والموضوعية للرقيم السادس للباحث في علوم الآثار وأصول الموسيقا العالم السوري "راوول غريغوري فيتالي" (1927 - 2003) الإيطالي الأصل والسوري المولد في مدينة اللاذقية، صاحب الدراسات العديدة في التاريخ والموسيقا، ومن أهمها: "التناظر الشكلي للأحرف الأوغاريتية"، و "أوغاريت لا كنعانية ولا فينيقية"، و "الرقم عبر التاريخ - اختراع وتطور كتابة الأعداد"، "الكنعانيون"، وغيرها. وقد نشر دراسة قيمة سنة 1979 منشورة في عدة مجلات عالمية مختصة بعلم الموسيقا حول الرقيم الأوغاريتي المصنف تحت اسم (H – 6) الذي يضم أنشودة العبادة الأوغاريتية، ويُعد أقدم تدوين موسيقي في العالم أجمع. حيث قدم فيها قراءة جديدة للتدوين الموسيقي لا تعتمد على فكرة تعدد الأصوات، إنما على ترجمة بعض الرموز المتواجدة في الرقيم الى أزمنة موسيقية، وعلى عدم وجود إشارات تحويل موسيقية ( بيمول و دييز)، وعلى عدم وجود ثلاثة أرباع المسافات الصوتية (ربع الصوت)، ليتم عزفها من جديد على درجة مي ومن مقام الكرد الذي لا يحوي إشارات تحويل من هذه الدرجة، وبشكل مغايير للمرات الثلاث السابقة التي قُرأت وعُزفت، لتصبح المقطوعة متطابقة مع أوزان نصها الأدبي، وليس كما قدمها غيره من الموسيقيين حيث إعتمدوا على فكرة تعدد الأصوات، وكانت قراءة يغلب عليها الرأي الشخصي.

ولكن السؤال المهم هو: هل هذا السلم الموسيقي السباعي هو "حوري" لأن لغة الأنشودة "حورية"، أم أنه "أوغاريتي" الإختراع؟
إن مجموعة الرقيمات ال 36 الأوغاريتية المكتوبة باللغة الحورية فتحت أبواباً جديدة للمناقشات والأبحاث حول أصول السلم الموسيقي المستعمل في هذا الرقيم (H-6).
ومن المعروف بأن الحوريين حكموا مساحات واسعة من بلاد المشرق ومنها شمال سوريا، لكن بعد قرون عديدة اختفوا من مسرح الوجود بعد أن ذابوا بغيرهم من الشعوب ومنهم الآراميين. وورث الآراميون بدورهم شيئاً من الحضارة الحورية والكثير من الأماكن والمدن الحورية فطبعوها بطابعهم وأصبحت آرامية مع الزمن.

تؤكد الرقيمات المكتشفة في أوغاريت السورية ما للحوريين من مدنية راقية وانتشاراً واسعاً للغتهم الأدبية، بحيث كتبت فيها أشعار لأغاني "موسيقا أوغاريت"، ولكن هذا لا يعني أن المقطوعة الموسيقية الأوغاريتية هي حورية المنشأ، إنما هي أوغاريتية الإختراع رغم لغتها الحورية.

إن كون لغة الأنشودة في الرقيم (H-6) باللغة الحورية وكون تدوينها الموسيقي باللغة الآكادية لا يجعلها حورية أو آكادية، بل هي أوغاريتية الإنتاج والهوية والإبداع كما يصرح العلماء.
إن السلم الموسيقي المستعمل في المقطوعة الأوغاريتية هو السلم السباعي المشترك بين شعوب المنطقة كافة ولربما يكون حوري الإختراع أو التطوير، وإلا لما كتبت كل هذه الرُقم باللغة الحورية إن لم يكن السلم الموسيقي حوري المنشأ.
ان أصل السلم الموسيقي السباعي لدى الآراميين واليونانيين هو من الحوريين، وقد عملوا بدورهم على تطويره بما يناسب شخصية موسيقا كل منهما.
فالسلم الموسيقي الآرامي (السرياني) واليوناني جذرهما إذاً واحد، وهو السلم الموسيقي الحوري لأن المنطق وتسلسل التاريخ يقولان هكذا.
وقد ورث الآراميون هذا السلم مباشرة من الحوريين لإحتكاكهم المباشر فيهم، أما اليونان فيبدو انهم أخذوه عن الكنعانيين والفينيقيين بواسطة الأوغاريتيين الذين أخذوه بدورهم من الحوريين.

إن هذا الأمر يقلب الطاولة على مفاهيم كثيرة كانت قد خدمت العلم لفترة معينة لكنها شاخت الآن ولم تعد تصمد أمام الدراسات الحديثة.
أما الأفكار غير العلمية المتدالة بين الناس العاديين والتي لا تصمد أمام إثباتات البحوث العلمية واللغوية فليست جديرة بالذكر. ففي عصرنا هذا فإن العلوم تتطور والأفكار تتجدد، وصاحب الإختصاص اليوم لا يتقبل الكلام الإنشائي الذي يدغدغ فقط أحاسيس الإنسان وليس عقله، إنما يبحث عن الحقيقة العلمية، ويتابع الأبحاث العلمية الجديدة ويتبنى نتائجها أكانت لمصلحته أو ضده، لأن الحقيقة العلمية هي فوق كل إعتبار.


لكم كل المحبة
ويتبع في الجزء الرابع

الموسيقا السريانية الكنسية (الجزء الرابع)
السلم الموسيقي لدى الشعوب القديمة (1)
تحت هذا العنوان "السلم الموسيقي لدى الشعوب القديمة" الذي يتكون من جزئين، سأوضح بعض المفاهيم الغامضة في سلالم موسيقا الشعوب القديمة، وسأنقد بعضاً منها خاصة تلك التي لا زالت تستعمل كمسلمات لدى البعض، حيث أخذوها وقبلوها على عللها دون مناقشتها والتأكد من صحتها. فالجزء الأول يتناول السلم الموسيقي لدى السومريين وقيثارتهم الموسيقية، وأما الثاني فيتناول وبإقتضاب السلم الموسيقي لدى اليونان والصينيين والهنود والفرس واليهود وغيرهم.


1. الموسيقا لدى السومريين:
يقال بأن للسومريين فضل كبير على الموسيقا في إختراعهم بعض الآلات الموسيقية، وعلى التدوين الموسيقي الأول (الذي يعتبر البدايات والمحاولات الأولى في تدوين الألحان الموسيقية على الالواح الطينية بإستعمال رموز من الكتابة المسمارية المقطعية)، وكذلك لإستنباطهم للكثير من الألحان الدينية التي كانت تغنى للآلهة في المعابد وقصور الملوك.

في عام 1929 أكتشف عالم الآثار البريطاني السير "لينارد وولي" في مدينة أور جنوب العراق، في قبر الملكة "بو آبي شبعاد 2450 ق.م" الذي يحمل الرقم
"1237"، مجموعة من القيثارات وآلات موسيقية ذات أوتار شبيهة بالربابات، وكانت من بين هذه القيثارات المكتشفة القيثارتان السومريتان المعروفتان باسم "الذهبية" و"الفضية" والتي يعود تاريخهما إلى 2450 سنة قبل الميلاد.
ولا زالت "القيثارة الذهبية" محفوظة في متحف الآثار العراقي قسم السومريات ببغداد، وأما "القيثارة الفضية" فهي محفوظة في المتحف البريطاني بلندن.
وقد تم إصلاح هذه القيثارات وإعادة بناؤها على أيدي علماء آخرين في الغرب، والعزف عليها بعد مرور 4500 سنة على صناعتها، وتوصلوا أيضاً إلى معرفة الأسماء السبعة لأوتارها، وحاولوا إيجاد حلول مناسبة للمسافات الصوتية التي بينها.

والقيثارتان "الذهبية" و"الفضية" المتطورتان والمبنيتان من أحد عشر وتراً تدل على ما للسومريين من رقي ومدنية وثقافة فنية موسيقية صناعية بالغة السمو والجمال. وقد ورثت الشعوب، التي أعقبتهم في المنطقة وحلت محلهم بالتتالي، كل حضارتهم وتراثهم الثقافي والموسيقي وآلاتهم الموسيقية وألحانهم وكتابتهم المسمارية.
وللمعرفة هناك قيثارات عادية كثيرة مكتشفة في المقابر غير الملكية، وهي غير القيثارات السابقة، تعتبر أقدم من القيثارتين الذهبية والفضية المذكورتين، فمنها مبنية من أربعة أوتار فقط، ومنها من ثمانية أوتار، ومنها اكتشفت في مراحل متقدمة مبنية من ثلاثة عشر وتراً.

أما السلم الموسيقي السومري فيصرح الباحثون بأنه سلم سباعي، ولكن هذا الأمر يحتاج لمزيد من الدراسة والبحث لمعرفة شكل الأبعاد الصوتية لهذا السلم، بسبب وجود إشكاليات عديدة تدل على عدم وجود ثلاثة "أرباع صوت" التي تميّز الموسيقا الشرقية عن غيرها في هذا السلم، وأيضا على إستعمال السومريين للسلم الخماسي.
(هناك من أدعى وكتب بأن القيثارة السومرية مبنية من سبعة أوتار فقط، لكن هذا الإدعاء غير صحيح ويخلق اشكالية حقيقية حول السلم الموسيقي السومري. فإذا كانت القيثارة تحوي على سبعة أوتار فقط، أي من سبع علامات موسيقية ودون وجود وتر ثامن لنحصل على جواب العلامة الأولى، فإنها تحصر فيما بينها ستة أبعاد صوتية فقط، وهذا غير متوافق مع السلم السباعي ذي الأبعاد السبعة. كما أن عدم معرفتنا لمسافة كل بعد من الأبعاد الستة وكيفية ترتيبها، يدخلنا في مشكلة أعمق وأكبر من الاولى).

إن بعض البحوث الموسيقية وصلت الى النتيجة القائلة بأن السلم السباعي الأبعاد هو من وضع السومريين إستناداً الى قيثارتهم. لكن هذا ليس دليلاً قاطعاً على إختراعهم لهذا السلم. فهذه الفكرة بحاجة الى براهين أكثر وإثباتات أفضل، خاصة ان أصل السومريين وموطنهم الأول قبل إستقرارهم في جنوب العراق غير معروف.
يقول البعض من الآثاريين والمستشرقين بأن السومريين قدموا إلى العراق من وسط آسيا. فإن صدقت هذه النظرية، فإن النظرية القائلة بأن سلم السومريين كان السلم السباعي تسقط. لأن الشعوب الآسيوية كانت ولا زالت تستعمل السلم الخماسي في موسيقاها، ومعروف بأن السلم الموسيقي الخماسي أقدم من السلم الموسيقي السباعي.

لقد ورد في كتاب "تاريخ العود" للباحث الموسيقي العراقي الدكتور صبحي أنور رشيد 1928 - 2010 (وهو عالم في تاريخ الموسيقا وتاريخ الآلات الموسيقية القديمة، وله العديد من الأبحاث العلمية والكتب الموسيقية المهمة منها: "تاريخ الآلات الموسيقية في العراق القديم"، "تاريخ العود"، "مدخل الى تاريخ الغناء"، وغيرها)، حيث يقول: "إن السلم الموسيقي السومري يحتوي على خمسة أصوات كاملة".
فإذا كانت هذه المعلومة صحيحة فإن السلم الموسيقي السومري كان سلماً خماسياً وليس سباعياً، وهذا يلغي النظرية القائلة بإختراعهم للسلم السباعي. وستكون الموسيقا السومرية حسب هذه النظرية مشابهة للموسيقا الأفريقية أو الصينية أو قريبة منهما وخالية من ثلاثة أرباع الصوت.

إن ما ورد لدى البعض عن السلم الصيني الموسيقي بأنه كان سلماً سباعياً إستناداً الى الناي الصيني "تي ذات الثقوب الثلاثة"، ثم تم إستبداله لاحقاً بالسلم الخماسي، هو رأي عار عن الصحة.
فإذا كان الناي الذي له ثقوب خمسة، "وحسب رأي من طرح النظرية السابقة"، لا يستطيع إخراج الأصوات السبعة منه ليعزف به الموسيقا المبنية على السلم الموسيقي السباعي، فكيف سيستطيع ناي ذات ثقوب ثلاثة بإخراج الأصوات السبعة للسلم الموسيقي السباعي.
إن الأقرب للمنطق بأن ناي "تي" صنع بثقوبه الثلاثة لأجل عزف السلم الموسيقي الخماسي وليس السباعي، ليستعمل في الموسيقا الصينية القائمة أساساً على السلم الموسيقي الخماسي.
وإذا كان قد تم إكتشاف ناي سومر "تي - كي" بثلاثة ثقوب مشابه للناي الصيني "تي" فهذا دليل آخر على إستعمال السومريين للسلم الموسيقي الخماسي، بل قد يثبت النظرية القائلة بأن السومريين قد قدموا من وسط آسيا ليستوطنوا في جنوب العراق حاملين معهم موسيقاهم ذات السلم الخماسي وآلاتهم الموسيقية البدائية.

أما الإثبات الآخر الذي يدعم نظرية إستعمال السومريين للسلم الخماسي، هو مكان إستيطانهم في جنوب العراق، أي بجوار الخليج (الفارسي/العربي) على حدود الصحراء العربية التي كانت تتميز "بأفريقية غنائها وإيقاعاتها وإستعمالها للسلم الخماسي".
فالسومريين إن تأثروا بنوع الموسيقا الصحراوية الأفريقية فهذا يأخذنا الى استعمالهم للسلم الموسيقي الخماسي.
ورغم إستعمال أهل الصحراء العربية والخليج في هذه الأيام للسلم السباعي، لكن القفزات الصوتية ذات البعدين الكاملين في غنائهم التراثي، وتأثرهم الكبير بالغناء الأفريقي والإيقاعات الصحراوية، ليست سوى دليل واضح على جذور موسيقاهم القديمة أنها كانت مبنية على السلم الخماسي. فلا يستبعد أبداً إستعمال السومريين للسلم الخماسي نسبة لموطنهم المطل على الصحراء العربية.

وأما ما يدعم نظرية إستعمال السومريين السلم الموسيقي السباعي الأبعاد، هو إستعمال الكلدان في بابل لهذا السلم. فربما وصل هذا السلم للكلدان من بقايا السومريين أو الآكاديين، وهذه مشكلة حقيقية أخرى للفارق الزمني الكبير بين السومريين/الآكاديين والكلدانيين.
إن التوراة تفيدنا بشكل غير مباشر على أن الكلدانيين استعملوا السلم الموسيقي السباعي لأن ما وصل إلينا من ألحان اليهود، مبنية على السلم السباعي. وتقول التوراة "نزح ابراهيم من أور الكلدانيين"، وتقول عنه: "آراميا تائها كان أبي". والكلدان هم من الآراميين، والآراميون استعملوا واستمروا بإستعمال السلم السباعي لغاية اليوم، وهذا واضح في ألحان الكنيسة السريانية بشقيها الشرقي والغربي، مما يؤكد إنتشار السلم السباعي في العراق قديماً.

أما الدليل على إنتشار السلم السباعي بين شعوب العراق القديمة، هو أصل ابراهيم الخليل (الآرامي) الساكن أور الكلدانيين في جنوب العراق، فلقد كان يستعمل السلم السباعي في موسيقاه مثلما استعمله قومه قبل رحيله الى مملكة حران الآرامية التي كانت تستعمل السلم الموسيقي السباعي أيضاً، ثم انتقاله من حران الى أرض كنعان التي كانت شعوبها تستعمل أيضاً السلم السباعي في موسيقاها، ولاحقا جاءت الألحان اليهودية مبنية على السلم الموسيقي السباعي إستمرارية لما حمله معه ابراهيم الخليل من تراث غنائي آرامي مبني على السلم الموسيقي السباعي.

إذاً، إن إستمرار اليهود في إستعمال السلم الموسيقي السباعي منذ ابراهيم الخليل ليومنا هذا هو خير دليل على إستعمال شعوب العراق القديمة المندثرة السلم الموسيقي السباعي. إن جد اليهود ابراهيم الخليل استعمل السلم السباعي في غنائه جرياً على عادة آبائه الكلدان الآراميين، وكان الكلدانيون قد ورثوه عن تلك الشعوب القديمة. ولكن لا نعلم بالتحديد تاريخ وزمن استعمال شعوب العراق القديمة للسلم السباعي، سوى أنه قديم جدا وتجاوز بضعة آلاف من السنين.

حسب أعتقادي بأن السومريين كانوا في البداية يستعملون السلم الموسيقي الخماسي حيث حملوه معهم عند قدومهم من قلب آسيا الى جنوب العراق، ولكنهم عملوا على الإشتغال عليه وتطويره إلى السلم السباعي لاحقاً، أو ربما استعاروا السلم السباعي من الشعوب السامية المجاورة لهم، لوجود دلالات واضحة على إستعمالهم للسلمين الموسيقيين الخماسي والسباعي.


2. السلم الشرقي في الموسيقا القديمة:
عندما عزفت الموسيقتان المكتشفتان: السومرية والأوغاريتية من قبل علماء الغرب، كانت المقطوعتان الموسيقيتان خاليتين تماماً من ثلاثة أرباع الصوت (ربع الصوت) المستعملة في الموسيقا الشرقية بكثرة. فأدعى البعض بأن علماء الغرب أخطأوا في عزف هذه المقطوعة وأهملوا ربع الصوت، لأنهم لا يعرفون ثلاثة أرباع الصوت الموجودة في الموسيقا الشرقية، لكن هذا إدعاء غير صحيح مطلقاً، لأن علماء الغرب يعرفون أدق التفاصيل عن علوم الموسيقا والآثار، ونسي هؤلاء بأنهم علماء كبار استطاعوا أن يفكوا أكبر الألغاز التاريخية ومنها الرموز الموسيقية الموجودة على الألواح الطينية، فكيف لا يعرفون ما هي ثلاثة أرباع الصوت التي تستعمل في الموسيقا الشرقية، وتاريخهم يشهد بأنهم استعملوا سابقاً أرباع الصوت في موسيقاهم ثم تم إلغاؤها قبل عدة قرون فقط. بل أن هؤلاء المدعون لم يطلعوا على ما قام به بعض العلماء المشرقيين من تجارب رائدة في هذا المجال حيثوا صاغوا سلالم هذه المقطوعات بأبعاد صوتية خالية من ثلاثة أرباع المسافات الصوتية، وكنت قد أشرت لهذا الأمر في تجربة العالم السوري راوول فيتالي واعتماده "سلم مقام الكرد من درجة مي" الخالي من علامات التحويل الموسيقية الى النصف ومن أرباع الصوت، لعزف الموسيقا المكتشفة في مدينة أوغاريت لإيمانه بأن الموسيقا القديمة الأوغاريتية والآكادية خالية من ثلاثة أرباع الصوت.

يقول علماء الدراسات الموسيقية بأن موسيقا الشعوب القديمة لا تحوي ثلاثة أرباع الصوت، إنما كانت تعتمد على أبعاد كاملة، أو أنصافها. وأكد هذا الأمر أيضا الباحث العراقي صبحي أنور رشيد بقوله بأن السلم الموسيقي السومري مبني من خمسة أصوات كاملة، أي خال من ثلاثة أرباع الصوت المتواجدة في الموسيقا الشرقية.


تجربة عزف على القيثارة السومرية:
ننقل الحدث التالي بتصرف حول العزف على القيثارة السومرية لتبيان مقدرتها على مرافقتها للآلات الموسيقية الأخرى أي للاوركيسترا في الحفلات العامة.

في بداية الثمانينيات من القرن المنصرم وفي ندوة موسيقية أقيمت فى أحد أجنحة متحف الآثار العراقية فى بغداد، قدم فيها الأستاذ "سالم حسين" وهو واحد من الموسيقيين العراقيين والعرب الرواد، وملحن وعازف قدير على آلة القانون وكان أستاذاً فى معهد الفنون الجميلة في بغداد، وله كتب مهمة فى تاريخ الموسيقا العراقية وسلالمها وكتاب عن آلة القانون، قدم بحثاً موسيقياً وتجارب عزف على نسخة شبيهة مصنوعة على غرار آلة القيثارة السومرية، وبمرافقة فرقة موسيقية مكونة من طلاب وأساتذة المعهد.
وكان من بين الحضور الأستاذ عبد الرحمن جبقجي الباحث الموسيقي السوري المعروف، والأكاديمي العراقي الدكتور طارق حسون فريد، اللذان قدما مداخلات مهمة مع بعض الموسيقيين بخصوص القضايا التكنيكية التي تتعلق في العزف على آلة القيثارة السومرية وإليكم مختصراً لها :

1- إن القيثارة لا يمكن سماع صوتها إذا عزف عليها بالأصابع المجردة أو بإستخدام ريشة القانون كما فعل الأستاذ محاضر الندوة، لكن عند استخدام مضرب (مثل مضرب السنطور) تمكن الجميع من سماع صوتها بوضوح.
2- إن القيثارة عاجزة تماماً على الإستمرار في العزف مع الفرقة الموسيقية الشرقية التي تتسم بكثرة إنتقالاتها النغمية، لعدم وجود "عُرَب أو عَرَبات" (التي هي جزء من الآلة تستعمل لتحويل قيمة البعد الصوتي، لرفعه أو خفضه) في القيثارة، كعُرَب آلة القانون، فكانت الفرقة تتوقف مع كل تغيير في النغم ليتسنى لعازف القيثارة تسوية أوتارها على وفق النغم الجديد، وهذا لا يمكن من الناحية العملية والموسيقية كما حدث أثناء الندوة.
ويحق التساؤل كيف كان الفنان العراقي القديم يقدم فعالياته الموسيغنائية اثناء مشاركة القيثارة في العزف.

ويبدو أن هذه المشكلة لم تكن وليدة اليوم بل هي موجودة منذ القدم، وربما منذ صناعة القيثارة، ففي العراق أكتشف لوح طيني بالخط المسماري فيه تعليمات مهمة عن كيفية الغناء بمصاحبة القيثارة، حيث وضع المدون جدولاً ذكر فيه التغيرات الواجب إجرائها على أوتار القيثارة للحصول على أي نغم أو مقام مطلوب.
وهذه الإشكالية تفتح أبواب تساؤلات جمة حول ما قيل ويقال الكثير عن القيثارة السومرية أو مجموعة الآلات الموسيقية المكتشفة عند الأقوام القديمة في العراق.

شكرا للمتابعة
ويتبع في الجزء الخامس

الموسيقا السريانية الكنسية (الجزء الخامس)
السلم الموسيقي لدى الشعوب القديمة (2)
3. الموسيقا لدى اليونان والرومان:

إن التراث الموسيقي اليوناني غني جداً ويستحق الإحترام لأنه ثروة استفادت منها أمم عديدة، ونبع أرتوت منه الشعوب القديمة.

وكما ذكرتُ في الجزء الثالث من بحثنا بأن اليونانين أخذوا عن الأوغاريتيين السلم الموسيقي السباعي واستعملوه قروناً كثيرة. ثم ظهر الفيلسوف والموسيقار اليوناني "لاسوس" (من القرن السادس ق.م)، صاحب الفضل الكبير في إكتشاف أصوات "السلم الموسيقي السباعي اليوناني"، وكذلك العالم اليوناني الشهير فيثاغوراس دي ساموس (المولود في ساموس 580-500 ق.م) الذي وضع الأبعاد الصوتية الدقيقة والصحيحة للسلم السباعي فسمي بإسمه أي "السلم الفيثاغوري". وبعد جهود وتجارب موسيقية طويلة استطاع هذا العالم الجليل والموسيقي البارع، فيثاغوراس، أن يضبط الأبعاد الصوتية للسلم الموسيقي السباعي بدقة متناهية، وأوجد فيه القاعدة الأساسية في إستخراج الأصوات الموسيقية السبعة، وبناه على أساس أطوال الأوتار وعلى حساب الخماسيات المتتالية.
ثم توالى بعض الفلاسفة والموسيقيين اليونانيين الآخرين الذين عملوا على تطويره وإستخراج النغمات منه وكان منهم "ارستكسينوس" (350 ق.م) صاحب كتاب "علم الاصوات" وكتاب "علم النغم" وكتاب "الموازين الموسيقية"، و الرياضي الموسيقار "إقليدس" (300 ق.م) صاحب كتاب "النسبة الرياضية".

وكان سلم فيثاغوراس هو الأساس الذي أعتُمِدَ عليه لاحقاً من قبل علماء الموسيقا في إستخراج وحساب الأبعاد الصوتية للسلالم الشرقية والغربية، وهذا ما أكده كبار علماء الموسيقا في الشرق والغرب.

وللأمة اليونانية الفضل الكبير على موسيقات العالم أجمع بما ابتكرته من أنظمة وقواعد كالتدوين الموسيقي القديم ومن إشارات ورموز وإصطلاحات لإكمال صحة التدوين وللتعبير عن جميع الحركات الموسيقية.

وأما الموسيقا عند الرومان فقد إرتكزت على الموسيقا اليونانية، وتطورت كثيراً على أيدي علمائهم، وازدهرت كثيراً وفاقت موسيقا اليونان وغيرهم بفضل العالم والموسيقار "بوتيوس" (سنة 475 م) والموسيقار "كاسيدوروس" (585 م) الذي ألف دائرة المعارف الموسيقية في ذاك العصر.

والموسيقا الرومانية (اللاتينية والبيزنطية) هي أساس الموسيقا الاوروبية اليوم، والتي تعتبر أرقى وأقوى موسيقات العالم قاطبة. وقد أبدع الموسيقيون الاوروبيون في ألحانهم وتآليفهم الموسيقية ووصلوا إلى حد العبقرية، ولحنوا للكنيسة ألحاناً عظيمة فأغنوها موسيقياً. وجاءت ألحان تراتيلهم سماوية شجية معبرة تنقلك الى عالم الروحانيات اللامحدود بالاضافة إلى ما تتضمنه من صنعة موسيقية عظيمة. وأسسوا أنواع المدارس الموسيقية الغربية كالكلاسيكية والرومانسية والتأثيرية وغيرها، التي تتالت وتعاقبت على أثر تطور الفكر الغربي.

أما تسميات العلامات الموسيقية للسلم الموسيقي السباعي الحالي: "دو، ري، مي، فا، صول، لا، سي". قد وضعها الراهب الايطالي كويدو الارتيزي في القرن الحادي عشر الميلادي.


4. الموسيقا عند الصينيين:
إن الصينيين هم من أعرق الأمم، ويقال بأنهم من أعرقها في الموسيقا أيضاً. والموسيقا الصينية قائمة على السلم الخماسي. ويعود للصينين الفضل في مجال النظريات الموسيقية إختراع قاعدة دائرتي الخامسات والرابعات الموسيقيتين، التي أعجب بها وبنظامها العجيب الفيلسوف الكبير والموسيقي العظيم الفارابي (874-950)م، وهو تركي الأصل وكان تلميذ السريان في الفلسفة، حيث أستخرج بواسطتها ما يزيد عن ألف وأربعمائة نغمة.
ولا صحة للقول بأن موسيقا الصينيين كانت مبنية على السلم الموسيقي السباعي ثم استبدلوها بالسلم الخماسي كما أوضحت سابقاً في الجزء الرابع من مقالنا.

5. الموسيقا عند الهنود:
كل الشعوب القديمة على إختلاف ثقافاتها وأديانها مجدت الموسيقا، وكان الهنود ولا زالوا أكثر الأمم تمجيداً وتقديساً لها، ويعتبرونها فن سماوي لما يحتوي من رقة وسمو وجمال وقداسة.
قيل بأن الشعوب الهندية القديمة استعملت السلم الموسيقي الخماسي، لكن الإثباتات ضعيفة لإثبات صحة هذا القول، لأن الموسيقا التي أستمرت وتواصلت عبر قرون طويلة ولغاية اليوم في الهند، تؤكد بأنهم أستعملوا السلم الموسيقي السباعي، والتأثير الكبير الذي تركته الموسيقا الهندية على موسيقا الفرس الذين يستعملون بدورهم السلم الموسيقي السباعي، هو أكبر إثبات بأن الشعوب الهندية أستعملت السلم السباعي منذ أقدم العصور، ولا ننسى بأن موسيقا الباكستان وبنغلاديش المنفصلتين عن الهند حديثاً ترتكز موسيقاها أيضاً على السلم السباعي.
كما أن الشعوب المجاورة للهند أستفادت كثيراً من الموسيقا الهندية، مثل التبت والشعوب التركية والمغولية، والفارسية، والأفغانية والكردية. وكذلك أثرت الموسيقا الهندية تأثيراً واضحاً على موسيقا وغناء وإيقاعات الشعوب العربية مثل الخليج واليمن في الازمنة المتأخرة، وعلى موسيقا العراق حديثاً.


6. الموسيقا عند الفرس وتأثيرها على الشعوب العربية والتركية:
أدرك الفرس مثل بقية الشعوب سمو وقوة الموسيقا في الوصول بالأرواح الى الخالد الأزلي، لهذا قدسوا الموسيقا ومجدوها وعرفوا فائدتها وقوتها السحرية على النفس والروح فأدخلوها في معابدهم وشؤونهم الدينية. قال هيرودوتس (حوالي 484 - 425 ق.م): "كانت الموسيقا الفارسية من أرقى الموسيقات وأحلاها نغماً وأشوقها سمعاً".
إن الفرس اتقنوا صناعة الموسيقا وسبقوا الكثير من الأمم في وضع القواعد والإصطلاحات الموسيقية، وساعدهم على ذلك رقيهم ورفاهية شعبهم وشغفهم بالفنون وحكمة مفكريهم. وكان أوج الموسيقا عند الفرس في عهد داريوس (القرن الرابع ق.م)، ولا ينكر الفرس مطلقاً بأنهم استفادوا موسيقياً من موسيقا الهند والشعوب المجاورة لهم.

وأما السلم الموسيقي الفارسي هو سلم شرقي متين ومنظم تنظيم دقيق، وأستعمله العرب والترك ولا زالوا يستعملوه. وأبتكر الفرس أكثر من 360 نغمة موسيقية سميت بالمقامات، ودخلت هذه المقامات مع جميع مصطلحاتهم الموسيقية الايرانية إلى الشعوب العربية والتركية وهي مستعملة حتى اليوم وبأسمائها الفارسية، كما اوردتُ، في الجزء الثاني من مقالنا بعضاً من أسماء المقامات الموسيقية التي لا زالت مستعملة بأسمائها الفارسية البحتة ومنها: راست، سيكاه، شاهناز، نهوند، بسته نكار، بنجكاه، الخ.
وكذلك أسماء درجات السلم الموسيقي الفارسي التي لا زالت مستعملة عند العرب والترك مثل: "يكاه، دوكاه، سيكاه، جهاركاه، بنجكاه، شيشكاه، وهفتكاه، حشتكاه"، ومعناها: "الصوت الأول، الصوت الثاني، الصوت الثالث، الصوت الرابع، الخامس، السادس، السابع ، الثامن". لكن تغيرت بعض أسماء الدرجات عند العرب مثل: الدرجة بنجكاه أصبحت نوى، وشيشكاه أصبحت حسيني، وهفتكاه أصبحت أوج.

وما نسمعه اليوم من موسيقا قديمة في العراق التي تسمى "بالمقامات العراقية"، ليست إلا مقامات فارسية الأصل حتى أنها تغنى بلكنة موسيقية فارسية واضحة المعالم، أي أن العراقيين يغنون موسيقا فارسية ولكن بلغة عربية (أحياناً ممزوجة بمفردات دخيلة فارسية وتركية). وهذا التأثير الفارسي الواضح المعالم في الموسيقا والغناء العراقي ناتج عن سيطرة الفرس على العراق الحالي مدة تجاوزت أكثر من 1000 عام، منذ قضائهم على الدولة البابلية حتى خروجهم منه على يد العرب المسلمين في القرن السابع الميلادي باستثناء بعض المراحل، لكنهم عادوا إليه مجدداً كمسلمين ليسيطروا عليه ثانية ويحكموه مئات من السنين الأخرى لكن هذه المرة بإسم "الدين الاسلامي"، حيث أن معظم مظاهر الفكر الإسلامي ومذاهبه الدينية قامت على أكتاف المفكرين الفرس الذين كتبوا معظم مؤلفاتهم باللغة العربية، لأنها لغة الإسلام.

إن هذا الأمر يسقط كل الإدعاءات التي تقول بأن موسيقا العراق الحديثة هي إمتداد للموسيقا السومرية والآكادية والآشورية. فالتأثيرات الفارسية الواضحة المعالم في الموسيقا العراقية ليست فقط في المقامات الموسيقية العراقية فقط إنما في التواشيح العراقية الإسلامية وخاصة الشيعية منها، رغم وجود موسيقا بدوية تنتمي للصحراء والبدواة وهي ناتجة عن هجوم وغزو الموجات البدوية للعراق بين وقت وآخر لتستقر فيه وتفرض بداوتها وغنائها الصحراوي على الحضارة والمدنية العراقية، كما يؤكد ذلك العالم الإجتماعي العراقي الدكتور "علي الوردي" في كتابه "مهزلة العقل البشري".

وهناك تأثيرات فارسية أخرى على العراق ليس فقط في الموسيقا، إنما في بعض مظاهر الحياة فيه كبعض العادات والتقاليد، والكثير من المأكولات التي لا وجود لها في البلاد العربية الأخرى، لكنها مشهورة في بلاد الفرس.
فلا يستطيع العرب والترك ومهما حاولوا التهرب من الحقيقة وتعريب وتتريك الموسيقا ومصطلحاتها، نكران فضل الفرس في الثقافة الموسيقية عليهما.


7. الموسيقا لدى المصريين القدماء ( الفراعنة):
لقد أورد مؤرخو اليونان وفلاسفتهم القدماء، أثناء بحثهم في مدنية وحضارة وادي النيل، أن موسيقا المصريين وآلاتهم الموسيقية كانت أرقى وأقدم موسيقا في العالم، وأستعملوها في عباداتهم وتقديسهم القرابين، وفي الولادات والأعراس والحفلات العامة والخاصة، وكذلك في الجنائز والحروب وفي بذار الأرض والحصاد.

كان السلم الموسيقي لدى الفراعنة خماسياً، لكن عند دخول الهكسوس الساميين (قدموا من سوريا) أرض مصر (1789-1684ق.م) أدخلوا معهم السلم الموسيقي السباعي المتطور والمستعمل لاحقاً عند الآراميين في سوريا، وحل هذا السلم الحديث محل السلم الخماسي القديم في مصر، فعمل عليه الفراعنة وربطوا هذا السلم بالكواكب السيارة وبساعات الليل والنهار، فجاءت ألحانهم رائعة عذبة معبرة، حتى أن افلاطون أعتبرها أرقى الموسيقات، وأقترح أن تكون هذه الموسيقا لجمهوريته الفاضلة.


8. الموسيقا لدى اليهود:
إن التراث الموسيقي الديني عند اليهود قديم جداً، وما تركته التوراة لنا من معلومات حول الغناء الديني هو أكبر دليل على إستعمالهم للسلم السباعي إسوة ببقية شعوب المشرق.
إن الإدعاءات حول تعلم اليهود الموسيقا أو تبنيهم السلم الموسيقي السباعي في بابل أثناء سبيهم على يد الملك نبوخذنصر، هي مجرد كلام بدون إثبات لا يؤخذ به، وتحتاج هذه الإدعاءات الى إثباتات حقيقية وبراهين علمية لنؤمن بها.
وكما أوضحتُ سابقاً (في الجزء الثالث من مقالنا) فإن اليهود استمروا في إستعمال السلم الموسيقي السباعي منذ هجرة ابراهيم الخليل من أور الكلدانيين في جنوب العراق إلى حران ثم إلى أرض كنعان في فلسطين وإلى مصر وعودتهم منها مروراً بمجئ السيد المسيح ولغاية اليوم، فما قيمة الإدعاءات السابقة إذاً.

إن نظرة قصيرة الى أسفار ما قبل السبي البابلي ستعطينا درساً حول هذه الحقيقة.
فهل كان داؤود النبي ومزاميره قبل السبي أم بعده؟
أم كان نشيد الإنشاد قد استورد مع الملك سليمان من بابل؟
وهل كانت الأمثال، ومراثي إرميا، وطلبة إشعيا قبل أم بعد السبي؟
ماذا كان نوع السلم الموسيقي الذي يستعمله اليهود في موسيقاهم قبل السبي البابلي بألف عام مثلاً؟
أسئلة مطروحة تحاكي العقل أتركها للقارئ الكريم للوصول إلى الحقيقة.

إن الموسيقا لدى اليهود تعتبر من أعرق وأقدم موسيقات العالم التي لا زالت مستمرة ومستعملة لغاية اليوم، وتعتبر أيضاً من أغنى موسيقات العالم الدينية حيث تجاوز عدد أناشيدهم الدينية التسعة آلاف لحن، ورغم النكبات والكوارث الإنسانية التي لحقت بهم خلال التاريخ لكنهم حافظوا على قسم لا بأس به من هذه الألحان وعلى شرقيتها.
إن السؤال المطروح بإستمرار عن شكل الموسيقا اليهودية والسلالم التي استعملوها قبل ذهابهم وأثناء وجودهم ثم عودتهم من مصر الفرعونية، وإعتبارها إشكالية لم تحل بعد، وعدم وجود إثباتات توضحها، فالمنطق يقول هنا:
إن ابراهيم الخليل الأب الكبير لليهود من . الآراميين (أبن الآراميين التائه) والنازح من أور الكلدانيين في جنوب العراق الى أرض الميعاد أرض كنعان حسب رواية التوراة، كان يستعمل السلم السباعي في موسيقاه قبل سكنه أرض كنعان.

ولا بد أن يكون تراثه الموسيقي والألحان التي حملها معه (التي هي جزء من تكوين شخصية الإنسان في موطنه) مبنية على السلم السباعي الأبعاد، ومتوافقة مع موسيقا الكنعانيين في إستعمالهم لنفس السلم. وعند هجرة اليهود إلى مصر التي دامت حوالي 400 سنة استمروا في إستعمالهم للسلم السباعي لأنه كان مستعملاً في أرض مصر أيضاً التي تبدل سلمها الموسيقي من الخماسي إلى السباعي عند إحتلال الهكسوس لها، أي قبل قدوم اليهود إلى مصر بخمسمائة عام تقريباً. فلا شك بأن اليهود أثناء عودتهم من أرض مصر أستمروا في إستعمالهم السلم الموسيقي السباعي، حاملين معهم ألحاناُ جديدة ومتطورة، ومستفيدين من الحضارة الفرعونية العظيمة ومن موسيقاها ومن آلاتها الموسيقية العديدة والمتطورة.

إن زيارة سريعة لكنيست اليهود في أوروبا أو أمريكا ستصدمنا بالحقيقة الصارخة، لأننا سنسمع ألحاناً شرقية حملوها معهم من شقوق التاريخ القديم، وهذا دليل كبير على محافظة اليهود على قدم وشرقية ألحانهم حتى في الغرب.

إن مدة ألفي سنة في إستمرارية اليهود في إستعمالهم الألحان الشرقية لغاية اليوم في الغرب أمر في بالغ الأهمية ينفي إدعاءات من يقول بأن اليهود لم يستعملوا السلم السباعي في موسيقاهم بل تعلموا هذا السلم في بابل. أي أن اليهود كانوا يستعملون سلم موسيقي آخر غير السلم السباعي.

وكذلك ينفي الإدعاءات القائلة بأن اليهود كانوا قد نسيوا موسيقاهم خلال فترة السبي البابلي وتعلموا موسيقا أهل بابل واستفادوا منها كثيراً ونقلوها معهم في عودتهم إلى اورشليم.
بالحقيقة لم يوضح لنا هؤلاء من أهل هذا الإدعاء كيف كانت شكل الموسيقا اليهودية قبل السبي البابلي، وعلى أي سلم كانت ألحانها مبنية، ولم يثبتوا لنا بالمصادر ما الذي نقله اليهود من موسيقا البابليين إلى بلادهم.


شكرا للمتابعة
ويتبع في الجزء السادس

الموسيقا السريانية الكنسية (الجزء السابع)


تكوين نظام الألحان الثمان
Octoechos
طبيعة وصفة النغمات

قبل أن أدخل إلى موضوع نظام النغمات الثمان لا بد أن أتطرق لعناصر تكوين النغمات وطبيعتها لإزالة النظرة الضبابية التي تشكلت حول نوعية النغمة الكنسية ودلالاتها وعلاقتها بالنصوص الدينية، ولفهم توزيعها على المناسبات الدينية الموضوعة في السنة الطقسية.

تكوين النغمات الموسيقية:
إن النغمات التي وضعت كركيزة أساسية لتشتق منها الألحان الكنسية، كما يخبرنا العلامة السرياني الفيلسوف ابن العبري (1226-1286)، جاءت مبنية على عناصر الطبيعة الأربعة: الماء والهواء والتراب والنار، وعلى أخلاط الإنسان الثلاثة والتي هي: الدم، البلغم والمرارة. وإن الآباء الموسيقيين الأولين ابتكروا أنغاماً طبيعتها مبنية على أركان معينة مشتقة من عناصر الطبيعة وصفاتها مبنية على مشاعر وأحاسيس معينة مشتقة من أخلاط الإنسان، ومن مزج أركان عناصر الطبيعة مع مشاعر وأحاسيس الإنسان تم إستخراج طبيعة الأنغام وصفاتها الإنسانية، لتكون متناسبة لمعاني النصوص الدينية ومناسباتها.
فأما أركان عناصر الطبيعة هي: الحرارة، البرودة، الرطوبة، اليبوسة (الجفاف)
وأما صفات مشاعر وأحاسيس الإنسان فهي: البهجة، الحزن، الغبطة والسرور، العذوبة، الألم، المشاعر الملتهبة، المشاعر الباردة، العنيفة، اللهفة، الشوق، الحنين، القسوة، النعومة، وغيرها كثيراً.

يمكن أن تتكوّن النغمات من ثلاث درجات موسيقية أو أربع أو أكثر بقليل، حينها تكون سلالمها الموسيقية من أنصاف السلالم الموسيقية ذات الأبعاد الصوتية السباعية أي أجناس كاملة، أو أكثر بقليل أي عقود، أو أقل أي أجناس ناقصة أو صغيرة . والألحان الكنسية السريانية بكليتها تتميّز بشكل عام بهذه الخاصية.
وللتحقيق من صحة القول مراجعة كتاب الصلوات اليومية أي الإشحيم أو كتاب البيث كاز أي مخزن الألحان.
وأما النغمات الموسيقية التي تتكوّن من ديوان كامل أي اوكتاف كامل أو حتى أكثر، فسلالمها الموسيقية هي سلالم كاملة من ذات الأبعاد الصوتية السباعية فتسمّى حينئذ بالمقامات الموسيقية. والألحان الفارسية القديمة مع إمتداداتها الحاضرة، وألحان الكنيسة البيزنطية الشرقية تتميّز بهذه الخاصية، ولنا شروحات صغيرة لها في الأجزاء المقبلة من مقالنا.


نظام النغمات الموسيقية عند السريان وجيرانهم اليونان والفرس
لمعرفة الإختلافات والفروقات بين أنظمة النغمات الشرقية وللمقارنة بينها لا بد من أن نتطرق لموسيقا شعوب مجاورة لنا ومؤثرة في موسيقانا خلال مراحل زمنية معينة، مثل الفرس واليونان لتداخل الموضوع معهم.

نظام النغمات الإثني عشري لدى الفرس:
ابتكر الفرس إثنتي عشرة نغمة أساسية (مقام) كوّنوها من عناصر الطبيعة الأربعة وأخلاط الإنسان الثلاثة أي: "4×3 = 12"، وطوروا سلالمها الموسيقية بما يناسب طبيعتهم وحضارتهم وموروثاتهم الثقافية والموسيقية، ونقلوها لأمم أخرى مجاورة لهم أثروا فيها أو حكموها وفرضوا عليها ثقافتهم، ورغم أن الفرس لا يستعملونها اليوم كنظام موسيقي صارم للموسيقا الأيرانية لأنهم اشتقوا منه ما احتاجوه من مقامات كثيرة خدمة وتطويراً لموسيقاهم، إلا أننا نراه محافظاً عليه وبكل تفاصيله الموسيقية عند الشعب الإيغوري التركي في الصين، الذي لا يزال يستعمل حتى يومنا هذا النظام النغمي المسمّى لديهم "بنظام المقامات الإثني عشر" الشرقية، والتي هي مبنية على السلم الموسيقي السباعي وليس على السلم الخماسي الصيني كما يعتقد البعض، لأنه إنتقل اليهم من بلاد فارس في المراحل الإسلامية المتقدمة وحافظوا عليه وليس العكس، ويستعمل لديهم هذا النظام في كافة الأمور الحياتية وخاصة في قصص بطولاتهم التراثية وتواشيحهم الإسلامية وأعيادهم الدينية.

عندما استقر الاتراك في تركيا وإحتلالهم مناطق واسعة من الشرق والاناضول، كانوا يحملون معهم نظام المقامات الإثني عشر الموسيقي وكانوا يستعملوه في كل تفاصيل حياتهم، لكنهم تخلوا عنه سريعاً لمصلحة المقامات الموسيقية الكثيرة والمتطورة التي سمعوها في مناطق أحتلالاتهم للشعوب الأخرى فأخذوها عنها وجعلوها موسيقاهم التي يعتزون بها كثيراً اليوم، مثل الشعب الفارسي واليوناني والأرمني والسرياني والعربي والقوقازي.
وما نسمعه اليوم من موسيقا تركية قديمة المسمّاة (تورك سانات موسيك)، ليست إلا موسيقا مستوحاة من الموسيقا البيزنطية القديمة وإمتدادات لها، من حيث تكوينها اللحني وآدائها الغنائي.

عمل الموسيقيون والمفكرون وفلاسفة الفرس على إشتقاق نغمات كثيرة جداً وجميلة ورائعة تسلب الألباب وتسحر العقول من نظامهم الموسيقي "نظام النغمات الإثني عشري"، فأبدعوا في إشتقاقاتهم هذه، وتسمت هذه النغمات بالمقامات الشرقية، وتجاوز عددها المئات، وأصبحت الركيزة الأساسية التي بُنيَت عليها الموسيقا الفارسية. وأنتقلت هذه المقامات الموسيقية لاحقاً مع مسمياتها الفارسية الى باقي الشعوب الفارسية والشعوب العربية عن طريق العراق والى الشعوب التركية مثل الشعب التركي والأذري والتركماني والطاجيكي وغيرهم.
وقد تبنّاها العرب والأتراك وغيرهم من شعوب المنطقة بكل تفاصيلها الدقيقة، وجعلوها كما الفرس الركيزة الأساسية التي انطلقت منها ألحان موسيقاهم، بعد أن اشتغلوا عليها كثيراً وطورها وأضافوا إليها بما يناسب ويتناسب لطبيعتهم وحضاراتهم وثقافاتهم ولغاتهم.


نظام النغمات الثمان Octoechos الكنسي:
لقد أهمل الملحنون الكنسيون من السريان الغربيين واليونان النغمات المتطرفة في العنف المتواجدة في نظام النغمات الإثني عشري، واعتبروا الألحان المشتقة من هذه النغمات وقحة وصفيقة وغير مستقيمة أخلاقياّ، حسب رأي ابن العبري في كتابه "الإيثيقون"، أي أنهم أهملوا النغمات التي تنتج ألحاناً جسدية مائعة والتي تخاطب إحتياجات الجسد وتستعمل لإثارة غرائزه، فتم إستبعادها لأنها لا توافق فكر وطهارة الكنيسة. وأعتمدوا فقط على "ثمان نغمات" أساسية يمكن أن يشتق منها ألحاناً لا تثير الغرائز الجسدية. وخلقوا من هذه النغمات نظاماً جديداً سماه السريان نظام "إكاديس" (وهي لفظة يونانية تعني النغمة أو اللحن)، وسماه اليونانيون "أوكتوإيكوس" أي نظام النغمات الثمانية (ظن بعض الجهلاء من شعبنا ان اللفظة إكاديس تعني أكاد).

وكان نظام النغمات الثمان هو الركيزة الأساسية لإنطلاق ألحانهما، فاشتقوا من نغماته ألحاناً كثيرة جميلة جداً معبرة عن ثقافتهما ولغتهما وكل حضارتهما .
وتم إختيار كل نغمة موسيقية حسب نوع طبيعتها وصفاتها لتكون مناسبة ومتطابقة مع معاني النص الديني وللموضوع الذي يعالجه أو للمناسبة التي يتناولها هذا النص، وكذلك للهدف الديني الذي من أجله كتب. وصنفت الألحان المشتقة منها لاحقاً تحت مسميات معينة ونظموها ضمن مجموعات أناشيد مختلفة، وهي معروفة لدى المهتمين وسنأتي على ذكرها في الأجزاء المقبلة.


طبيعة النغمات الكنسية وصفاتها الخاصة:
1- طبيعة النغمات تتكوّن عادة من أركان عناصر الطبيعة الأربعة: الحرارة أو البرودة أو الرطوبة أو الجفاف. وتتشكل طبيعة النغمة دوماً من ركنين أساسيين معاً، فإما أن تكون طبيعة النغمة حرارية وجافة، أو حرارية رطبة، أو تكون باردة رطبة، أو باردة جافة، وهكذا.

2- إن صفات النغمات الإنسانية تتكون من مشاعر ونفس وروح وقلب وفكر الإنسان، مع أخلاط الإنسان، (الدم، البلغم والمرارة)، وتكون متناسبة مع طبيعتها وغير متضاربة معها، وتكون هذه الصفات معبرة عن جوهر النغمة. ويمكن أن يكون للنغمة الواحدة صفات كثيرة.
فقد تكون: مبهجة أو حزينة، وعذبة، فيها لهفة وشوق وحنين، وتمتاز بالنعومة أو الهدوء.
أو تكون نارية ملتهبة، وعنيفة، لتترك أثراً قاسياً على النفس، أو ملتهبة من الشوق وهادئة ولينة.


طبيعة وصفات النغمات الكنسية الثمانية:
1- النغمة الاولى: طبيعتها حرارية ورطبة قليلة ولينة، وصفاتها عذبة ومبهجة، وتحوي ضمن طياتها الفرح، لهذا استُعمِلت النغمة في ألحان عيدي الميلاد والقيامة لأنهما يحويان الغبطة والسرور والبهجة والبشارة في نصوصهما المناسبة للميلاد والقيامة وكذلك في عيد ولادة العذراء.

2- النغمة الثانية: طبيعتها باردة متوسطة ورطبة، وصفاتها الرقة، والليونة في الإنسيابية اللحنية، لهذا نظم فيها عيد الظهور الإلهي (عيد الدنح بالسريانية أي عيد الشروق)، وعمادة السيد المسيح، (أي الغطاس بالدارجة).

3- النغمة الثالثة: طبيعتها حرارية وجافة، وصفاتها العنف والقسوة، لهذا نظم فيها طقس دخول الرب الى الهيكل وتذكار شمعون الشيخ، بسبب نبوءة الشيخ سمعان وقوله للعذراء سيجوز بنفسك سيفاً، والتي كانت نبؤة في آلام وصلبوت السيد المسيح، ولآلام العذراء التي ستقاسيها، وكأنها ستشعر بأن سيفاً من نار سيدخل قلبها ويحرق كبدها من جراء تعذيب وصلب وموت ابنها الوحيد السيد المسيح.

4- النغمة الرابعة: طبيعتها البرودة واليبوسة، وصفاتها الجفاف والخوف والصدمة، لهذا نظم فيها طقس بشارة العذراء بالحبل التي خافت وصدمت من البشارة العظيمة بالحبل، وكذلك نظّم على هذه النغمة طقس الشعانين، لدخول السيد المسيح إلى اورشليم راكباً جحشاً بتواضع، وأغلب الشعب والكهنة كانوا قد صدموا لأنهم كانوا ينتظرون أن يدخل السيد المسيح للهيكل بإحتفالات كبيرة وهالة عظيمة كدخول الملوك، ولذلك رفضوه.

5- النغمة الخامسة: طبيعتها حرارية ورطبة، وصفاتها اللهفة والشوق والحنين، لهذا نظم عليها طقس عيد الصعود، فما كان من التلاميذ لشوقهم وحنينهم لمفارقة السيد المسيح إلا أن يشعروا وأنهم سيطيروا بأجسادهم من لهفتهم لمرافقته.

6- النغمة السادسة: طبيعتها البرودة والرطوبة، وصفاتها الحزن والالم، لهذا نظّم عليها طقس خميس الأسرار من أسبوع الآلام، وعيد التجلّي الإلهي المسمى بعيد المظال.

7- النغمة السابعة: طبيعتها الحرارة واليبوسة، وصفاتها قاسية ونارية ملتهبة، لهذا نظم فيها طقس عيد حلول الروح القدس على التلاميذ ( عيد العنصرة أو فنطيقوستي)، وطقس إنتقال العذراء بالجسد إلى السماء، وكذلك أحد الكهنة ﻷنهم يخدمون النور والنار المتمثلة بهبوط الروح القدس على شكل ألسنة نارية لتحل بالقربان المقدس أثناء صلوات تحضيرهم له.

8- النغمة الثامنة: طبيعتها البرودة واليبوسة، وصفاتها العنف والقسوة لهذا نظّم فيها مقتل أطفال بيت لحم، وطقوس أعياد الشهداء، وعيد الصليب وعيد القديسين، وأحد الموتى.


يتبع في الجزء الثامن

الموسيقا السريانية الكنيسة
(الجزء الثامن)
نظام النغمات الثمان الكنسي
مُتَغيّرات الألحان وعلاقة الألحان بالنصوص

بعد أن شرحنا في مقالنا السابق كيفية تكوين نظام النغمات الكنسي، وأشتقاق طبيعة الأنغام من أركان عناصر الطبيعة، وتحديد صفاتها الإنسانية، نتابع في هذا الجزء الشروحات التي تتناول توزيع الألحان على السنة الطقسية الكنسية، وكيفية إستعمال متغيّرات الألحان.

نظام النغمات الثمان والألحان السريانية الكنسية:
اعتَمَدَت الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية على نظام موسيقي مكوّن من ثمان نغمات أساسية في ابتكار ألحانٍ لطقوسها الدينية، وتنظيمها تنظيماً دقيقاً بحيث تكون موزعة على مدار السنة الموازية للسنة الكنسية.
ولكل نغمة "من نظام النغمات الثمان" طبيعتها الخاصة المشتقة من عناصرالطبيعة، وصفاتها الإنسانية الخاصة، وطرق استعمالها، وتشتق منها ألحان مناسبة لطبيعة الحدث التي تتناوله. ومعظم ألحان نظام النغمات الثمان، بالإضافة الى الألحان الأخرى التي لا تنتمي الى نظام النغمات الثمان، محفوظة في كتاب "ܒܝܬ ܓܙܐ بيث كازو" أي مخزن الألحان، وفي كتب كنسية أخرى.

وتبدأ السنة الكنسية السريانية الطقسية باللّحن الأول في أحد تقديس الكنيسة ثم يليه اللّحن الثاني في أحد تجديد الكنيسة، لتتالى الألحان الثمانية على مدار الآحاد (الأسابيع) الثمانية، ثم تعود لتبدأ مجدداً.

وتتميّز الكنيسة السريانية الأرثذوكسية بنظامها اللحني الدقيق والمحكم عن بقية الكنائس الطقسية. حيث يتضمن هذا النظام إنشاد كل الصلوات اليومية طوال الأسبوع بذات اللحن، فإذا كان ذلك الأسبوع على اللحن الأول فإن كل صلواته وأناشيده وترانيمه ينبغي أن تكون من اللحن الأول ويسمى اللحن الأساسي، لكن لتفادي الوقوع بالملل والرتابة فرضت الكنيسة أن يرتل معه لحن آخر ليكون مقابلاً له ومنسجماً معه في الصفات ويسمى بالسريانية ܫܘܚܠܦܐ أي "المتغيّر"، (اللحن المتغيّر هي التسمية التي اخترتُها أنا لتعبّر عن النغمة البديلة الموافقة للنغمة الأصلية). فإذا كان لحن الأسبوع الأساسي هو اللحن الأول فحينئذ ينشد معه اللحن "المتغيّر" المقابل له في النظام وهو اللحن الخامس، لذلك يكون اللحن الخامس ملاصقاً للّحن الأول. واللحنان الأول والخامس يرتبطان معاً في طبيعة النغمة الموسيقية ولكنهما يختلفان في صفاتها. وبنفس الطريقة يكون اللحن الثاني مرتبطاً مع اللحن السادس، والثالث مع السابع، والثامن مع الرابع.


كيفية إستعمال نظام الألحان الثمان مع متغيّراتها وعلاقة اللحن بمتغيّره
في الكنيسة السريانية
1- اللحن الاول، متغيّره اللحن الخامس، لأن اللحنين متفقان في الطبيعة أي لهما طبيعة واحدة مشتركة هي الحرارة والرطوبة، لكنهما يختلفان في الصفات، فصفات اللحن الأول هي العذوبة والبهجة والفرح، وأما صفات اللحن الخامس فهي اللهفة والشوق والحنين.
2- اللحن الثاني متغيّره اللحن السادس، لأنهما من طبيعة واحدة مشتركة وهي البرودة والرطوبة، لكنهما يختلفان في الصفات، فاللحن الثاني صفاته الرقة والليونة بينما اللحن السادس صفاته الحزن والألم.
( وبالعودة للجزء السابع من مقالنا، وإلى فقرة "طبيعة وصفات النغمات الكنسية الثمانية"، يمكن معرفة بقية صفات الألحان الأخرى ومقارنتها من حيث توافقها واختلافها معاً ).
3- اللحن الثالث متغيّره اللحن السابع، لأن طبيعتهما المشتركة هي الحرارة واليبوسة، لكنهما يختلفان في الصفات
4- اللحن الرابع متغيّره اللحن الثامن، طبيعتهما المشتركة هي البرودة واليبوسة، لكن صفاتهما مختلفة.
5- اللحن الخامس متغيّره اللحن الاول، يشتركان في ذات الطبيعة وهي الحرارة والرطوبة، ويختلفان في الصفات.
6- اللحن السادس متغيّره اللحن الثاني، يشتركان في ذات الطبيعة وهي البرودة والرطوبة، ويختلفان في الصفات.
7- اللحن السابع متغيّره اللحن الثالث، يشتركان في ذات الطبيعة وهي الحرارة واليبوسة، ويختلفان في الصفات.
8- اللحن الثامن متغيّره اللحن الرابع، طبيعتهما المشتركة وهي البرودة واليبوسة، لكن صفاتهما مختلفة.

في الكنيسة البيزنطية
لقد تم إشتقاق من جوهر النغمات الأربعة الأصلية في الكنسية البيزنطية أربع نغمات أخرى سميت بالنغمات الشقيقة، ومن مجموعة النغمات الثمان تم إنشاء النظام اللحني المُسمّى اوكتوإيكوس، وتستعمل جميعها كنغمات أساسية ، ولا يستعمل مصطلح اللحن المتغيّر في الكنيسة البيزنطية، وعوضاً عن كلمة نغمة أو نغمات تستعمل كلمة لحن أو ألحان في أدبياتها، واللحن حسب موسيقيي كنيسة الروم البيزنطية يعني تصنيفاً موسيقياً يُعتَمد في تحديده على السلم الموسيقي والمجال اللحني ودرجة القرار النهائي، وهكذا تكون جميع التراتيل التي يتبع لحنها مجالاً لحنياً معيناً أو قراراً معيناً ضمن نفس اللحن أي ضمن نفس التصنيف اللحني.
وتستعمل هذه الألحان حسب نظام اوكتوإيكوس الذي يوزعها على مدار السنة الطقسية التي تضم الأعياد والمناسبات والتذكارات والصلوات اليومية التي تقيمها وتحتفل فيها الكنيسة ذات الطقس البيزنطي اليوناني الشرقي.


توزيع الألحان البيزنطية مع أشقائها
اللحن الأصلي اللحن الشقيق
1- اللحن الأول 5- شقيقه الخامس
2- اللحن الثاني 6- شقيقه السادس
3- اللحن الثالث 7- شقيقه السابع
4- اللحن الرابع 8- شقيقه الثامن

يبدو أن الكنيسة البيزنطية فقدت أو "تخلّت" عن نظام استعمال اللحن مع متغيّره المعمول به بصرامة في الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية لغاية اليوم خاصة في الصلوات اليومية.
لقد أخبرني موسيقيون من كنيسة الروم البيزنطية من خلال مراسلاتي معهم بأن كنيستهم لا تسير على نظام تغييّر الألحان، لكنهم قالوا بوجود حالة إستثنائية هي في اللحنين الثاني والسادس، حيث في دور اللحن الثاني تقال قطع باللحن السادس وبالعكس. وربما هذا دليل على وجود نظام إستعمال الألحان مع متغيراتها في هذه الكنيسة سابقا لكنها تخلت عنه خلال مسيرتها التاريخية، والسبب غير معروف.

وحسب آباء الكنيسة إن الموسيقا البيزنطية هي موسيقا معاشة وفيها حياة، لهذا هي مستمرة في التطور والحياة، وربما نتيجة لهذا السبب فقدت الكنيسة نظام استعمال الألحان مع متغيّراتها.
لكن الثابت والمتعارف عليه هو أن الألحان الثمانية جميعها تستعمل كألحان أساسية وبشكل دوري وحسب موقعها ومناسباتها على التقويم السنوي للكنيسة البيزنطية.


صلوات أيام الأسبوع في الكنيسة
في الكنيسة السريانية
إن جميع ألحان صلوات أيام الأسبوع البسيطة المنتظمة في كتاب "الأشحيم" هي تابعة للحن يوم الأحد الذي يسبقها. ويتم إنشاد هذا اللحن طوال أيام الأسبوع مع "متغيّره" الذي يشترك معه بنفس الطبيعة ويختلف معه بالصفات. فإذا كان لحن يوم الأحد هو الأول، فيكون لحن يوم الأثنين الذي يليه اللحن الخامس.
إن ألحان الكنيسة السريانية في جميع المناسبات الكبيرة والأعياد الرئيسية والتذكارات والطقوس الدينية كطقس العماد والاكليل وتجنيز الموتى وغيرها، تُحدد وفق طبيعتها وصفاتها لتناسب الحدث الدرامي الذي يعالجه الطقس الكنسي في هذه المناسبة المعينة، وقد أشار العلامة ابن العبري لهذا الأمر في كتابه الايثيقون.

في الكنيسة البيزنطية
لكنيسة الروم البيزنطية كتاب يهتم بنصوص وألحان الكنسية لأيام الأسبوع اسمه "المعزّي" وهو كتاب يحتوي على النصوص والألحان التي تنشد في سائر أيام الأسبوع، وقد نظّم ووضع قسماً كبيراً من موسيقاه القديس يوحنا الدمشقي (749م)، مع مجموعة من القديسين قبله وبعده.
يقول موسيقيو الكنيسة البيزنطية بأن لحن الأسبوع يظهر أكثر خلال خدمَتي السحرية والغروب ولكن ليس في كل القطع. ولا علاقة إجمالاً بين اللحن الأساسي والشقيق في دور الألحان، بمعنى في دور اللحن الأول يرتل فقط اللحن الأول في القطع التي تنشد، وبعض التراتيل تنشد على لحن خاص بها بدون النظر إلى علاقة لحن أساسي – شقيق.


إرتباط النصوص والألحان السريانية بقداديس أيام الآحاد
في الكنيسة السريانية
إن صلوات أوقات الصباح ليوم أحد ما قبل بدء القداس الإلهي، تكون ألحانها عادة مرتبطة بألحان القداس لهذا يوم الأحد، وقسم من نصوصها مرتبطة بالمناسبة التي يحتفل بها في القداس الإلهي ليوم الأحد.
مثلاً: إن صلوات الصبح قبل بدء "قداس يوم أحد الأعمى"، وحسب نظام الألحان الثمانية هي من اللحن السادس. مثال على ذلك: ܟܕ ܩܝܡܐ ܡܪܝܡ ܒܨܠܘܬܐ "كاد قوُيموُ مريم بَصلوثوُ" و ܩܕܝܫܬ ܐܠܗܐ "قاديشات الوُهوُ".

وقسم من نصوص صلوات صباح الأحد قبل بدء القداس تكون مرتبطة بحادثة شفاء الأعمى (بارطيماي أو العميان الآخرين)، وألحانها يجب أن تكون من اللحن السادس. أي يجب أن تكون هذه الألحان مرتبطة بلحن قداس الأحد الذي هو "قداس أحد شفاء الأعمى" وهو على اللحن السادس.
تبدأ مجريات القداس الإلهي لتنشد بعدها الترتيلة المعروفة " فولوس شليحو" على اللحن السادس، ثم يقرأ فصل شفاء الأعمى من الإنجيل المقدس، وتتلوه انشودة تتناول كلماتها شفاء الأعمى تُسمًى "انشودة ما بعد الإنجيل"، ولحنها مرتبط بنظام الألحان الثمانية أي من اللحن السادس، ثم يُسَلِّم الشماس (المتمكن من الصلوات والألحان) اللحن السادس بكلمات (سطوميِن قالوس قورييلايسوُن) للكاهن ليتتالى إنشاد النصوص البيعية لغاية الترتيلة الجامعة (قاتوليقي) التي يتناول نصها أيضاً شفاء الأعمى (ويحبذ أن يكون لحن الترتيلة أيضاً من اللحن السادس أو الثاني)، ويستمر القداس ليتبادل الكاهن والشماس بإنشاد اللحن السادس مع "متغيّره" اللحن الثاني إلى نهاية القداس الإلهي، حيث ترتل أنشودة تسمى إنشودة الختام " ܚܘܬܡܐ" ويتناول نصها شفاء الأعمى أيضاً، ثم ينشد الكاهن نصاً مرتبطاً بشفاء الأعمى، لنصل الى نهاية القداس الإلهي مع نصوص دعوية لآباء الكنيسة وتراتيل متفرقة.
وهكذا تكون جميع ألحان الأحاد وبقية أيام الأسبوع مرتبطة بمناسباتها وبأماكنها على تقويم السنة الكنسية الطقسية.

لقد أصبح من النادر في الكنيسة السريانية التمسّك في إنشاد أي لحن من الألحان الثمانية مع متغيّره والتقيّد بهما في صلوات القداس، إنما يذهب الشمامسة "الخدام" المتمكّنون صوتياً إلى المقامات الشرقية المخالفة لألحان الكنيسة في سلالمها وآدائها، ليغردوا هناك ما تشتهي أنفسهم من ألحان ذات طابع طربي ومساحات موسيقية كبيرة لإبراز إمكانيات أصواتهم الجميلة على حساب الألحان الكنسية، غير آخذين بجدية وبعين الإعتبار القوانين والأنظمة الموسيقية للكنيسة السريانية التي حافظت عليها وأوصلتهم إلينا بكل أمانة لغاية اليوم، وهذا سيؤدي بنا مستقبلاً وعبر الزمن إلى ضياع ألحاننا الكنيسة وآدائها الصحيح.

أما في الصلوات اليومية فالكل مضطّر للتمسك بتطبيق نظام تغيّر الألحان لأنه لا يوجد بديل عنه، ولا مجال فيه للإجتهاد في التنغيم والإرتجال.

في الكنيسة البيزنطية
يطبق نظام النغمات الثمان اوكتوإيكوس في قداديس الآحاد وتنشد ألحان التراتيل حسب النظام المتبع في الكنيسة البيزنطية، فينشد اللحن الأول في موقعه من السنة الطقسية وهكذا بقية الألحان.
لكن المؤسف وبشكل عام لا إلتزام في القداديس بلحن محدّد، بل يتغيّر اللحن كثيراً ضمن القداس الواحد، فتقال مثلاً الطلبة السلامية بلحن، ثم الأنديفونات (انظر في الأسفل) بلحن ثان، ثم الكلام الجوهري بلحن آخر، ما عدا في المراكز الدينية الصارمة في تطبيق قوانين وأنظمة الكنيسة وفي بعض الأديار التي فيها جوقات متمرسة يُرَتّل القداس كله على لحن واحد، وهذا دليل واضح في تطبيق الكنيسة لألحان نظام النغمات الثمان اوكتوإيكوس، ويبدو بأن الغير عارفين موسيقياً والغير مقتدرين بالألحان البيزنطية قد نشروا ثقافة عدم الإلتزام بالقوانين الموسيقية الخاصة بالكنيسة البيزنطية.

شرح
الأنديفونات من "أنديفونا: وتعني بدل الصوت. وهي جزء من ترتيلة تنشد في مواضيع مختلفة من السحر والغروب وأحياناً القداس الإلهي.

ويتبع في الجزء التاسع

الموسيقا السريانية الكنسية (الجزء التاسع)
منشأ نظام الألحان الثمانية الكنسية
اوكتوإيكوس / إكاديس ومنشأ الألحان السريانية واليونانية

إن نظام الموسيقا الكنسية المعروف بنظام النغمات الثمان هو نظام يوناني/ سرياني لأنه من ابتكارهما، فقد ظهر لديهما معاً، وانتظمت طقوسهما بموجبه في الوقت ذاته. لقد كتبنا عن هذا الموضوع سابقاً وبيّنا شيئاً من أسباب ابتكار هذا النظام ودخوله للكنيسة. وبعد إطّلاعنا على آراء العلماء والمصادر التاريخية المتوفرة وخاصة تلك التي تنص بأن أساس نظام النغمات الثمان قد تم على يد القديس البطريرك سويريوس الانطاكي (538م) عندما كان أسقفاً على انطاكيا، ويعود الفضل إليه بأنه أول من وضع نظاماً موسيقياً مبنياً على ثمانية ألحان وتوزيعها إلى أربع ألحان أصلية وأربع ألحان مشتقة.

ويأتي الحل دوماً بعد حصول المشكلة:

يبدو أن الوضع اللحني الكنسي في القرون الأولى للمسيحية كانت فيه تعددية بالآراء حول نوعية وطبيعة وصفات الألحان الكنسية المناسبة لصلوات الكنيسة، وظهرت أيضاً آراء مختلفة حول الألحان التي ستقرر والتي سَيٌعَمل بها في الكنسية وذلك بسبب وفرة النصوص الدينية والألحان الكنسية التي كانت كثيرة ومتناثرة هنا وهناك في معظم الكنائس المسيحية، حيث كانت كل كنسية لها بعض الطقوس الدينية المحلية الخاصة بها وكذلك ألحانها الخاصة المختلفة عن الكنائس الأخرى، فكانت الحاجة الماسة الى تنظيم هذه الطقوس بشكل أفضل وإلى تنظيم ألحانها من الناحية الموسيقية.

إرتأى القديس البطريرك مار سويريوس الانطاكي الملقب بتاج السريان والمتأثر بأعمال بمار افرام السرياني الموسيقية وبغنى وإنتشار ألحانه الكثيرة على نطاق واسع، أن يحلّ هذه المعضلة التي عاشها وعايشها ليقطع دابر فوضة إشكاليات الألحان المنتشرة في جسم الكنيسة، فعمد إلى خلق نظام موسيقي رائع للكنيسة وهو نظام النغمات الثمان ليكون أساساً لتوحيد النصوص والألحان الكنسية والطقوس.

ملاحظة: يصرح علماء كنيسة الروم الشرقية بأن القديس سويريوس الانطاكي هو سرياني آرامي الجنس والهوية بينما ينظر إليه غيرهم على أنه يوناني الأصل.

ومن خلال قرائتِنا في الموضوع استنتجنا بأن منشأ نظام النغمات الثمان كان في انطاكيا والمنطقة الثقافية والكنسية المرتبطة بها، حيث تقررت هناك نوعية النغمات المستعملة وعددها لتكوين هذا النظام، ثم تم العمل على تطويرها خلال التاريخ، لهذا يقال بأن الفضل يعود لانطاكيا في ابتكار نظام النغمات الكنسية الثمان وليس لمكان أخر.

لكن مراكز الثقافة السريانية، وخاصة الرها، لم تكن بمنأى عن الموضوع، فالرها وانطاكيا قطبان مترابطان ومتداخلان في بعضهما البعض في معظم الأمور الكنسية واللغوية والثقافية، فمن انطاكيا انطلقت الكنيسة الناطقة اليونانية ومن الرها انطلقت الكنيسة الناطقة الآرامية.
وكان آباء الكنيسة في مدينة انطاكيا يؤلفون النصوص الكنسية باليونانية ومنها بالسريانية، وفي مدينة الرها كان الآباء الكنسيون السريان يؤلفون بالسريانية وقليلاً باليونانية، وكانوا يقومون بترجمة النصوص اليونانية الى السريانية التي ألِفَت في انطاكيا ودمشق وحمص وغيرها وفي المدن اليونانية، وترجمة النصوص السريانية الى اليونانية مثل أشعار قديسنا مار افرام.
لكن يبدو لنا بأنه كان هناك نظامان متشابهان لنغمات الألحان الكنسية، وليس نظاماً واحداً كما هو مسلّم به، وهما موضوع مقالنا، فالأول أبتُكِر لألحان الكنيسة اليونانية، والآخر لألحان الكنيسة السريانية. والنظامان مختلفان عن نظام النغمات الفارسي الإثني عشري الذي شرحنا عنه في مقالنا سابقاً:

فالأول هو النظام النغمي اليوناني المسمى باليونانية "اوكتوإيكوس أو الاكتويخوس Ectoechos"، أي نظام الألحان الثمانية، لخدمة طقوس الكنيسة اليونانية / البيزنطية، ونتكلم هنا فقط عن النظام الموسيقي لكنيسة الروم الشرقية.

أما الثاني فهو النظام النغمي السرياني المسمى باليونانية إكاديس Ekadis، أي الألحان الثمانية، لخدمة طقوس الكنيسة السريانية.

هناك نظام آخر ثالث معتمد في اوروبا المعروف بالترنيم الأمبروسي أو الغريغوري، ويسمى ايضاً "نظام النغمات الثمان اللاتيني" وهو متطور مباشرة عن النظام البيزنطي الموسيقي للنغمات الكنسية اوكتوإيكوس.
فكما كان نظام الثماني النغمات أساساً للموسيقا الكنسية السريانية و البيزنطية، كذلك هو أساس للموسيقا الكنسية الغربية الاوروبية أيضاً، إذ أن البابا غريغوريوس الأول "540-605 م" هو من وضع نظام ترنيم الكنيسة اللاتينية المعروف بالترنيم الأمبروسي أو الغريغوري، إذ أخذ هذا النظام عن الشرق مستعملاً أسس الموسيقا الكنسية الشرقية المبنية على ألحان ثمانية، وقد عرف البابا غريغوريوس هذا النظام بحكم أنه كان مندوباً عن البابا بيلاجيوس الثاني (590م) في البلاط القسطنطيني قبل أن يصبح أسقفاً ثم بابا روما.

والموسيقا الغريغورية هي الموسيقا الدينية اللاتينية الأبرز في تاريخ المسيحية الغربية وهي ذي ألحان جميلة وكلمات مأخوذة من الكتاب المقدس.
وتتميّز ألحان نظام النغمات الثمان اللاتينية بأنها غنائية جادة وأحادية الصوت غير مرافقة بآلات موسيقية.
لن أتطرق لشروحات عن النظام الموسيقي الأمبروسي أو الغريغوري، لأنه ليس من صلب موضوع مقالنا، ولكننا نؤكد من خلاله بوجود نظام النغمات الثمان في الموسيقا الكنسية الأوروبية.

كان قد أدعى البعض بأن منشأ نظام الألحان الثمانية (الشرقي) كان في سومر وآكاد ثم انتقل الى اليونانيين فالسريان، ولكن هذه إدعاءات باطلة وغير صحيحة لعدم وجود إثباتات تؤكد صحتها.
أما الحقائق التي بين أيدينا فتؤكد، كما أوردت في مقالي سابقاً، بأن اليونان والسريان هم الذين اخترعوا نظام الثمانية ألحان في غرب وشمال غرب سوريا التي تقع فيها مدينة انطاكيا وبعض المدن السريانية مثل الرها، والمؤرخ السرياني ابن العبري (1226-1286) يلمح في كتابه الإيثيقون لهذا الأمر، ويؤكده البطريرك العلامة افرام برصوم (1887-1957) من خلال سرده لسيّر ومؤلفات الآباء الكنسيون في كتابه الشهير "اللؤلؤ المنثور".


منشأ الألحان الكنسية اليونانية والسريانية

إن منطلق ومنشأ الألحان الكنسية اليونانية، أي تأليف النصوص الدينية ووضع ألحان لها ومن ثم إبتكار النظام النغمي اوكتوإيكوس، كان في مدينة انطاكيا ذات الثقافتين اليونانية والسريانية، وهذا متفق عليه نظرياً لأن الفكرة انطلقت من انطاكيا، لكن مختلف عليه واقعياً، لأن بعض المدن السريانية الأخرى ذات الطابع الثقافي اليوناني وأخرى يونانية، كان لها دورها في نظام الألحان الثمانية وخاصة في وضع أنواع الأناشيد الكنسية اليونانية، وتلحين الكثير من النصوص الدينية.

وتعتبر مدينة الرها السريانية، ذات الثقافة السريانية الممزوجة باليونانية، المركز الأساسي في بناء ومنشأ ومنطلق ألحان الكنيسة السريانية، وثم إبتكار نظام النغمات إكاديس الخاص بالسريان وتطويره وتنظيم ألحانه بالرغم من انطاكيّة فكرته، وهذا أيضاً متّفق عليه نظرياً وعملياً، رغم بروز شخصيات كبيرة في مدن ذات ثقافة سريانية خالصة أو سريانية ويونانية ساهمت في وضع الألحان السريانية وفي خلق قوالب جديدة للألحان الكنسية وفي العمل على تحقيق النظام اللحني السرياني.
إن معظم عباقرة التأليف والتلحين من الآباء الذين كانوا الركيزة الأساسية في وضع ألحان للنصوص السريانية الدينية وفي بناء نظام الألحان الثمان وتنظيم ألحانه ووضع قوالب وأنواع للألحان السريانية الكنسية، إما ولدوا في مدينة الرها أو نشأوا فيها ثقافياً أي درسوا في مدارسها ومعاهدها، أو عاشوا فيها فترات طويلة أو قصيرة من حياتهم.
مثل الفيلسوف الرهاوي المعروف برديصان (222م) صاحب الألحان الأولى على طريقة مزامير داؤد، ومار افرام السرياني النصيبيني (373م) الذي أبدع في ميامره ومداريشه ومؤلفاته الأخرى الكثيرة، ومار اسحق الرهاوي المعروف بمار اسحق الأنطاكي (491م)، ومار رابولا الرهاوي (435م) صاحب التخشفتات القنشريني المولد الذي كان مطراناً على الرها أكثر من عشرين سنة، ومار يعقوب السروجي (521م) شاعر الكنيسة وقيثارتها الذي درس في مدارسها ثم أصبح معلماً في معاهدها وأغنى الكنسية والأدب الكنسي بميامره وأدعيته التي تسمى بالطلبات، والعلامة الكبير منظم الطقوس الكنسية مار يعقوب الرهاوي (708م) ومؤلف قسم منها، ففيها تنسك وتعلم وعلم وخدمها كمطران وأبدع في مؤلفاته.
وغيرهم كثيراً من الملافنة الذين عاشوا فيها أو مشوا في دروب عباقرتها من الذين ساهموا بألحانهم ومؤلفاتهم في إغناء التراث الكنسي السرياني.


لماذا كانت أنطاكيا منطلقاً للألحان اليونانية

1- ﻷن انطاكيا كانت عاصمة المسيحية الأولى ومركز الكرسي الرسولي البطرسي.
2.لأنها كانت العاصمة السياسية لسوريا حينها.
3- ﻷنها كانت عاصمة ومركز الثقافة اليونانية والإنتاج الفكري اليوناني.
4- كانت مركز ثقافي يستقطب كبار المفكرين واللاهوتيين المسيحيين من آراميين ويونانيين وغيرهم ممن كانوا يتقنوا اليونانية.
5- فيها تطور الفكر المسيحي وتم صقله على أيدي فلاسفة المسيحية.


إن الأسباب السابقة لا تلغي قط دور المدن السريانية الأخرى ذات الثقافة اليونانية في إنتاجاتها الفكرية ولا دور علمائها من السريان المبدعين في صياغة ألحان ونصوص الكنيسة البيزنطية، خاصة مدينة دمشق التي أنجبت صفرونيوس (639م) صاحب التراتيل اليونانية التي تسمى "طروبارية" والذي أصبح لاحقاً البطريرك صفرونيوس على اورشليم، واندراوس الكريتي (الدمشقي الذي أصبح أسقفا على كريتا فسمي بأندرواس الكريتي 720م) وهو الأب الشرعي للتراتيل التي تسمى "القوانين"، والعبقري الموهوب القديس يوحنا الدمشقي (749م) منظم الموسيقا والألحان اليونانية، الذي ثبّت تقسيم ألحان الكنيسة البيزنطية بتأليفه كتاب "الاكتويخس" للألحان البيزنطية أي "الألحان الثمانية"، وهو يحوي تراتيل مقسمة حسب الألحان ولكل لحن تراتيله الخاصة. ويُعزى إليه إرساء أسس كتاب "المعزّي" للصلوات اليومية وتأليف وتلحين العديد من تراتيله ولحن " 116 قانوناً" و "454 طروبارية" و"1531 رمساً"، كما ألف العديد من التراتيل التي تسمى: "ستيشيرات" و "إذيوميلات" و "كاتسماتات" و "قناديق" وغيرها، ووضع لها الحاناً كنسية رائعة ومعبرة بمشاركة مجموعة من الرهبان الدمشقيين القديسين: " قزما الدمشقي" و "اندراوس الكريتي" و "ثيوفانس اسقف ازمير".

وكذلك مدينة حمص المتميزة بالعلوم والثقافة التي أنجبت في القرن الرابع العلامة الكنسي "اوسابيوس الحمصي" وفي القرن السادس الميلادي المرنم "رومانوس الحمصي" الذي أشتهر بنوع من التراتيل التي تسمى "القنداق"، كما أنجبت هذه المدينة أيضاُ شخصيات كبيرة منهم أباطرة حكموا الإمبراطورية الرومانية.

وكانت هناك أيضاً مساهمات أخرى جادة في تأليف النصوص والألحان اليونانية من مدن سريانية ثانية ذات الثقافة اليونانية خاصة المدن التي كانت واقعة على البحر المتوسط من مدينة اللاذقية وحتى غزة. وكذلك من مدن يونانية أو لاتينية ذات ثفافة يونانية واقعة اليوم في العمق التركي واليوناني، حيث كانت لها مساهمات ثقافية ودينية كبيرة مثل القسطنطينية وغيرها، ساهمت في إرساء قواعد وقوانين المسيحية الأولى.


لماذا كانت الرها منطلقا للألحان السريانية

1- لأهمية مدينة الرها السريانية الآرامية في الثقافة السريانية والكنيسة السريانية، حيث كانت المملكة الأولى التي أعلنت مسيحيتها كدولة، في زمن الملك "ابجر الخامس" الذي حكم (4 - 50 م) حسب التقليد المتداول.

لأن الرها كانت عاصمة الثقافة السريانية آنذاك 2-
3- ﻷن الرها كانت تملك مدارس عظيمة ترعرع فيها الفكر المسيحي، بل يعود الفضل لها في صقل الفكر المسيحي في بداياته.
4- ﻷن الرها أنجبت العلماء الاوائل من فلاسفة وشعراء ومفكرين سريان وآباء مدافعين عن الدين في العصور المسيحية الأولى، أو صقلت موهبتهم الفذة من خلال دراستهم في مدارسها، فأغنوا المكتبة المسيحية بإنتاجاتهم الفكرية.
وهذا لا يعني تغييب المدن السريانية العريقة الأخرى في الإنتاجات الفكرية الكنسية من فلسفة وأشعار وقصائد وألحان، أو دور علمائها وآبائها الآخرون من الذين أغنوا المكتبات السريانية والعالمية بمؤلفاتهم المتعددة في جميع نواحي الحياة، التي ساهمت في تكوين أو بلورة الفكر الإنساني من ديني ومدني معاً، مثل "قنشرين" و "نصيبين" و "حران" وغيرها.


ألحان كنيسة المشرق السريانية

إن الكنيسة السريانية الشرقية التي مركزها العراق "بفرعيها اليوم الكلداني والآشوري" تحوي ألحاناً قديمة جداً ورائعة أدخلها الآباء الأولون لطقوس الكنيسة، وهي من تلك التي تم تأليفها وتلحينها في "مملكة الرها" وفي المدن السريانية الأخرى التي كانت تسبح في فلكها، عندما كانت الكنيسة السريانية المسيحية واحدة قبل أن تحصل الإنشقاقات فيها لأسباب سياسية تاريخية ولأفكار تفسيرية لاهوتية.
اذ أن ألحان الكنيسة السريانية الشرقية القديمة هي فرع من الطقس القديم لمدينة الرها السريانية الذي هو انطاكي ورهاوي المنشأ، لكن تم تأليف وتلحين وتطوير للطقوس والألحان بعد ذلك في العراق ومناطق أخرى على أيدي علماء وآباء كنسيين كبار وأجلاء، ذكروا في كتب التاريخ الكنسي.
وقد أطلعت شخصياً على قسم صغير من ألحان الكنيسة السريانية الشرقية من خلال إستماعي لها، ومن خلال حضوري قداديس في الكنيستين الكلدانية والآشورية بفرعيها.

وكما ذكرت سابقاً بأننا ننتظر من أبناء الكنيسة السريانية الشرقية بفرعيها الكلداني والآشوري، أن يكتبوا عن ألحان كنيستهم ليطّلعوا القرّاء الكرام والمهتمين على الكنوز الموسيقية الأصيلة التي تحويها، وتعرّفهم على تفاصيل ألحانها وعلى ملحنيها العباقرة، وليُستَفَاد من القوالب والأنواع الموسيقية التي تحويها.
لأن جميع موسيقيي شعبنا يغردون خارج السرب السرياني في عصرنا هذا، ولا أستثني نفسي من ذلك بالطبع، ويسبحون في أفلاك موسيقات الأمم الأخرى مثل الفرس والترك والكرد والعرب والهنود، وخاصة الموسيقا الأوروبية.


ولنا لقاء في المقال العاشر


الموسيقا السريانية الكنيسة
(الجزء العاشر)

الفرق بين النظامين اللحنيين اوكتوإيكوس وإكاديس (1)
في السلالم الموسيقية
بقلم: نينوس اسعد صوما
ستوكهولم
مقدمة

لقد دعي نظام النغمات الثمان الموسيقي "إكاديس"، بنظام الألحان السرياني ليس لكونه معمول به فقط في الكنيسة السريانية إنما لكون مبتكريه ومنظميه وواضعي ألحانه كانوا سرياناً آراميي الجنس واللغة.
بينما يُدعى النظام الموسيقي ذو الثمانية نغمات "اوكتوإيكوس" بالبيزنطي، لأنه يشير إلى حضارة الروم المشرقية التي أخذت إسمها من اسم المدينة "بيزنطة"، والتي كانت المدينة التي شيدت مكانها مدينة القسطنطينية.
وهذا الإصطلاح "البيزنطي" لا يشير بأي شكل من الأشكال إلى موسيقا إمبراطورية روما الشرقية، بل يشير إصطلاحاً إلى الموسيقا الكنسية المستعملة في كنائس الروم الشرقية، الذي كان للسريان الآراميين من أبناء سوريا التاريخية على الخصوص دوراً هاماً جداً في وضع أسس و تطوير هذا النظام الموسيقي.
الفرق في السلالم الموسيقية
النظام البيزنطي اوكتوإيكوس:
إن النظام الموسيقي البيزنطي الذي يسمّى "اوكتوإيكوس"، له صفاته الخاصة به وخصائصه الموسيقية وطرق إنشاد ألحانه التي تميّزه عن النظام الموسيقي السرياني إكاديس.
وتتكون ألحان الموسيقا الكنسية البيزنطية المبنية من نغمات هذا النظام من سلالم سباعية الأبعاد الصوتية، أي من ثمان درجات موسيقية تكوِّن ديوان موسيقي كامل، أو "اوكتاف"، أي أنها تتكوّن من سلالم مقامات كاملة أو حتى أكثر، وليس من أنصاف مقامات، أي ليس من أجناس أو عقود كما الحال في النظام السرياني.
لقد تمت مقارنة الألحان البيزنطية الشرقية بالمقامات الشرقية على أيدي موسيقيين مختصين من كنيسة الروم (لا نعرف متى وأين ومن)، وحددوا ما يقابلها من سلالم المقامات الشرقية مع أسمائها للمعرفة ولسهولة الإستعمال ولتسهيل الأمور أمام كل الموسيقيين العارفين بالألحان الكنسية والغير العارفين منهم أيضاً.
وللأسف أصبح دارجاً، بين أبناء كنيسة الروم وإكليروسها في عصرنا هذا، إستعمال تسميات المقامات الشرقية عوضاً عن إستعمال أسماء النغمات الموسيقية البيزنطية بمسمياتها القديمة، أي اللحن الأول واللحن الثاني والثالث والخ، وهذا الإهمال سيوقع كنيسة الروم بشقيها الارثوذوكسي والكاثوليكي بمشاكل موسيقية جديدة وعديدة مستقبلاً.
توزيع الألحان البيزنطية مع أشقائها ومع تسميات المقامات الشرقية
إن توزيع النغمات البيزنطية مع أشقائها وما يقابلها من مقامات بمسمياتها الشرقية حصلت في العصورالمتأخرة وهي من وضع موسيقيين ضليعين في الموسيقا الكنسية البيزنطية وفي علوم المقامات الشرقية. وهناك دراسات مهمة وقيّمة أقيمت في المعاهد اللاهوتية التابعة لكنائس الروم منها ما طبع ونشر، تحوي شروحات تفصيلية حول الأجناس الموسيقية المكوّنة للنغمات البيزنطية، وحول تحديد وتوزيع الكومات على سلالمها.
وللتوضيح والمعرفة نبيّن في الجدول الآتي نغمات النظام البيزنطي الشرقي وما يقابلها من مقامات شرقية:
اللحن الأصلي مقامه الشرقي اللحن الشقيق مقامه الشرقي
1- اللحن الأول بيات ، عشاق 5- شقيقه الخامس نهاوند - بيات الحسيني
2- اللحن الثاني هزام، حجاز النوى 6- شقيقه السادس حجاز - شهناز
3- اللحن الثالث جهاركاه 7- شقيقه السابع العراق ، العجم
4- اللحن الرابع سيكاه 8- شقيقه الثامن راست، راست الجهاركاه
ويُستمَر بتطبيق هذه الألحان بشكل تسلسلي فتتحول الألحان الشقيقة الى ألحان أساسية، لتصبح ثمان نغمات فتأخذ أهميتها على خريطة نظام النغمات الثمان "الاوكتوإيكوس" وموقعها على تقويم السنة الكنسية الطقسية بشقيه اليولياني والغريغوري.
لم أحصل على جواب شافٍ لغاية الحين عن السبب الأساسي لوجود سلمين موسيقيين مختلفين في أغلب النغمات البيزنطية، والذي يؤدي إلى وجود مقامين شرقيين مختلفين لكل نغمة من نغمات النظام البيزنطي "اوكتوإيكوس"، وبالتالي إلى إختلافات في سلالمهما الموسيقية وفي النغمات الميلودية الصادرة عنهما، وفي نوعية وطبيعة وصفات كل نغمة منهما.
مثال: اللحن السابع من النظام البيزنطي يقابله في الموسيقا الشرقية مقامين مختلفين عن بعضهما تماماً، وهما مقام العراق ومقام العجم.
أعتقد شخصياً أن إزدواجية المقامات الشرقية في نغمات النظام البيزنطي ناتجة عن عدم إستعمال متغيّرات الألحان في كنيسة الروم الشرقية بشكل منتظم ومستمر، وبالتالي فقدان إستعمالها كنظام في الكنيسة، الذي أدّى الى هذه الإزدواجية وإلى تبديل أماكن النغمات على جدول هذا النظام الذي لا يتطابق تماماً مع جدول نغمات النظام السرياني "إكاديس".
النظام السرياني إكاديس:
إن النظام النغمي السرياني "إكاديس"، الذي يتميّز بصفات معينة وخصائص موسيقية محددة وطريقة خاصة به في إنشاد ألحانه، تتكوّن سلالم نغماته الموسيقية من أنصاف السلالم الموسيقية ذات الأبعاد الصوتية السباعية، أي من نصف ديوان موسيقي أو من نصف مقام، ويعني هذا أنها تتكوّن من أجناس أو عقود أو أقل.
وهذا إختلاف موسيقي كبير نسبياً مع سلالم ألحان الكنيسة البيزنطية التي تعتمد على السلالم الكاملة.
لقد شاعت هذه الأيام بين العامة من السريان إستخدام أسماء المقامات الشرقية عوضاً عن التسميات التاريخية للألحان السريانية، فعوضاً عن القول: قولو قدمويو (الأول)، وقولو ترايونو (الثاني)، وقولو تليثويو (الثالث) الخ..، يقولوا: مقام البيات، مقام الحسيني، مقام السيكاه الخ...، وهذا خطأ جسيم بحق ألحاننا الكنسية وبطرق إنشادها، وسيوقع كنيستنا السريانية مستقبلاً في مشاكل موسيقية جمة نحن بغنى عنها، وسيضرّ كثيراً بموسيقانا السريانية بشكل عام.
فمن خلال مقالنا هذا نشجع الجميع كهنة وشمامسة وموسيقيين على إستعمال المسمّيات الصحيحة لألحاننا السريانية للحفاظ على التَرِكة التي ورثناها من آبائنا وأجدادنا العظام.
توزيع الألحان السريانية مع متغييراتها ومع تسميات الأجناس الشرقية
لقد حدد الباحث الموسيقي السرياني الملفونو نوري اسكندر مشكوراً الكومات الموسيقية للنغمات السريانية الكنسية الثمانية، ووضع جدولاً لعلامات التحويل مع كوماتها لمعرفة الفروقات اللحنية بينها وبين أجناس المقامات الشرقية، وأثبت بذلك خاصية الألحان السريانية الكنسية (الموسيقا السريانية) التي تتميّز عن المقامات والأجناس الشرقية.
وأعرضها هنا في الجدول الآتي للمعرفة ولتوضيح نغمات النظام السرياني وما يقابلها من أجناس شرقية.
النغمة السريانية جنسها الشرقي اللحن المتغيّر جنسه الشرقي
قينثوُ قَدموُيتوُ . بيات قينثوُ حميشوُيتوُ غير معروف اسمه
قينثوُ ترايوُنيثوُ . بيات آخر قينثوُ شتيثوُيتوُ . بيات - نهوند
قينثوُ تليثوُيتوُ . سيكاه قينثوُ شبيعوُيتوُ . صبا
قينثوُ ربيعوُيتوُ . راست قينثوُ تمينوُيتوُ شبيه الحجاز – راست
وتُنشَد النغمات الثمانية كألحان أساسية تباعاً مع متغيّراتها وحسب نظام السنة الطقسية المتبع في الكنيسة السريانية، كما كنّا قد أوردناها وشرحنا عنها في مقالنا سابقاً.
مقارنة أجناس ومقامات النظامين اوكتوإيكوس وإكاديس
نلاحظ من مقارنة أجناس المقامات البيزنطية بتسمياتها الشرقية مع الأجناس السريانية بتسمياتها الشرقية أيضاً، بوجود فروقات كبيرة بنوعية الأنغام المقررة في النظامين الموسيقيين السرياني والبيزنطي، وفي سلالمها الموسيقية وفي إستعمالاتها أيضاً، ناهيك عن الإختلافات والفروقات في الكومات بين سلالم أجناس أنغام النظامين.
لا أحد يعلم لما هذا الإختلاف وأسباب حصوله أو تاريخ وقوعه، لكن وحسب رأيي الشخصي أن السريان عندما أخذوا فكرة نظامهم الموسيقي من انطاكيا، إختاروا أجناساً موسيقية معينة خاصة بهم تختلف عن أجناس مقامات نظام الكنيسة البيزنطية ، وهي من تلك الأجناس التي كان يستعملها مار شمعون بار صابوعي (343م)، ومار افرام السرياني (373م)، ومار اسحق الرهاوي المعروف بالأنطاكي (491م)، ومار يعقوب السروجي (421م)، ومار بالاي (القرن الخامس)، في ألحانهم الكنسية قبل ظهور نظام النغمات الثمان، حيث استخدموها لبناء نظامهم اللحني الذي يسمّى "إكاديس" بما يناسب وينسجم مع طبيعتهم وبيئتهم ولغتهم وتفكيرهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم ووسائل تعبيرهم وسائر مفاصل حضارتهم، وخاصة ما يناسب فهمهم لنصوص الكتاب المقدس وشروحاتها وكيفية تفسيرها.
وفي الجدول الآتي مقارنة لأنواع أجناس النغمات في النظام الموسيقي السرياني مع مقامات النظام البيزنطي الشرقي:
اسم النغمة الجنس في النظام السرياني المقام في النظام البيزنطي
النغمة الأولى . بيات مقام بيات - العشاق
النغمة الثانية . بيات آخر مقام الهزام – حجاز النوى
النغمة الثالثة . سيكاه مقام الجهاركاه
النغمة الرابعة . راست مقام السيكاه
النغمة الخامسة . مجهول الأسم مقام نهوند – بيات حسيني
النغمة السادسة . بيات – نهوند مقام الحجاز - شهناز
النغمة السابعة . الصبا مقام العراق – العجم
النغمة الثامنة شبيه الحجاز – راست مقام راست - راست الجهاركاه
ورغم الإتفاق العام حول أنواع المقامات والأجناس الموسيقية وتسمياتها عند أبناء الكنيستين السريانية والبيزنطية الشرقية وكل على حدى، إلا أن هناك آراء مختلقة حول هذه التسميات ونوعية هذه الأجناس ومقادير كوماتها عند الكثيرين من الموسيقيين في هاتين الكنيستين، بل أن بعض الموسيقيين من أبناء كنيسة السريان ذهبوا أبعد من هذا الأمر وأخذوا بالدفاع عن آرائهم الشخصية المختلفة عن نوعية بعض الأجناس التي أوردناها في الجدول السابق والتي هي من وضع الموسيقار والباحث نوري اسكندر بكل قواهم، وأسبابهم في هذا الأختلاف، أنهم ينتمون الى مناطق لها أسلوبها اللحني الخاص بها، وخاصيّة معينة ومزايا موسيقية تختلف عن أي منطقة أخرى.
ولهذا أُفَضِّلُ شخصياً العودة للتسمية السريانية والبيزنطية وعدم الإلتفات إلى التسميات الشرقية مطلقاً، وعدم الإلتفاف عليها بأعذار غير مقبولة، لأنها ستدخلنا في متاهات موسيقية جمّة نحن في غنى عنها.
يتبع في الجزء الحادي عشر






أخوكم: أبن السريان

موقع نسور السريان
أضف رد جديد

العودة إلى ”منتدى أدب و فنون السريان“