عـــلامـــات مـــجـــيء الـــمـــلـــكـــوت

المشرفون: الأب الياس عبدو،مشرف

صورة العضو الرمزية
ابن السريان
مدير الموقع
مدير الموقع
مشاركات: 4439
اشترك في: الخميس إبريل 23, 2009 4:36 pm

عـــلامـــات مـــجـــيء الـــمـــلـــكـــوت

مشاركة غير مقروءة بواسطة ابن السريان »

عـــلامـــات مـــجـــيء الـــمـــلـــكـــوت
مـــتـــى 24
سأتكلم اليوم عن موضوع مهم وشيق حتى يستطيع الناس أن يعلمو أين وصلنا من الدينونة العامة ومجيء المسيح والحوادث الذي ذكرها كالضيقة العظيمة التي نمر بها الآن الحروب والهروب والخوف العظيم في كل مكان من الذبح والقتل والحرق والإغتصاب، وأصبحت كتير من العالم مشتتين هنا وهناك، في مخيمات وفي دول عديدة، هذا كله الذي حدث والذي ما زال يحدث أستطيع أن اقول تخطينا النصف الأول من نهاية العالم ومجيء المسيح.
إن حديث السيد المسيح عن مجيء الملكوت يشغل أدهان الكثيرين في العالم بكونه حدثا نبويا أعلن عنه لتلاميذه ومجيئه في كنيسة العهد الجديد وأيضا مجيئه داخل النفوس.
هنا سأذكر العلامات التي تكلم عنها المسيح وسأقوم بشرح مبسط عنها.
هدم الهيكل القديم وبناء الهيكل الجديد أي كنيسة العهد الجديد.
تكلم المسيح في البداية عن هدم الهيكل،فكان اليهود يتطلعون إلى أنه يكون علامة ملكهم، فهو المكان الوحيد الذي يعلن الله مجده فيه ويقدم الذبائح والتقديمات من أيدي المؤمنين.لإينما وجد المؤمن وإن حلت عليه ضيقة فأنه ينظر نحو الهيكل لينعم بالعون الإلهي. فقال السيد المسيح:"لا يترك حجر على حجر لا ينقض". ماذا عنا السيد المسيح بهذا؟ على زمن اليهود تحولت قدسية الهيكل إلى رياء وكذب والفكر المادي إلى عقبة أمام العبادة الروحية. انشغلوا بعظمة الهيكل ونسوا هيكل القلب الداخلي،وفي عام 70 م.تم هدم الهيكل على يد القائد الروماني تيطس. فكان هذا إعلان عن قيام الهيكل الجديد لكنيسة العهد الجديد.
ظهور مسحة كذبة:
إن الله بإقامته للملكوت يعلن ذاته فينا حاسبا إيانا هيكله المقدس. فإن عدو الخير لا يواجه هذا الأمر بالصمت بل يزيد الحرب ضدنا فيرسل الشيطان مسحة كذابين ليقيموا مملكة ابليس داخل الإنسان. فسؤال التلاميذ عن مجيء الرب الثاني هو معرفتهم في المستقبل وتحديد الأزمنة.ولكن المسيح اكتفى بتقديم العلامات فقط، لا لكي يعرفوا الأزمنة ولكن لكي لا يخدعهم المسحاء المضللون. فمن علامات مجيئه الثاني هي السهر الدائم وانتظار مجيء المكلوت على الدوام وتهيئة النفس للقاء العريس والدخول معه إلى أمجاده.
قيام حروب وحدوث كوارث عامة: "وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب".
ليس عجيبا أيها المؤمنون أن تكون هناك جوانب متعدد من الآلام والضيقات والكوارث،فإن هذا هو الطريق الذي يهيء لمجيئه، كيف ؟؟؟كلما أدرك الشيطان أن مملكة المسيح قادمة ازدادت حربه ضد المؤمنين لكي يكسب أعضاء في مملكته ليقاموا مملكة المسيح. لكن علينا أن نزداد قوة وثباتا ولا ندع الشيطان أن يتغلغل فينا لنحصل على إكليل المجد. أما بدء هذه الآلام التي يثيرها الشيطان فهي: تهيئة جوّ خانق للنفس من حروب وأخبار حروب وانقسامات على مستوى الأمم والممالك، وظهور أوبئة، وحدوث زلازل الخ. إنه يريد أن يحطَّم نفسيَّة الناس، فيرون إخوتهم كأشرار منقسمين يثيرون الحروب، فيعيشون في رعب خائفين من الحرب. والذين لا تلحقهم الحروب يتعرّضون للأوبئة والأمراض فيرتبكون خائفين على حياتهم الزمنيّة. وإن هربوا من الأمراض تلاحقهم الزلازل التي تتم فجأة. فهدف الشيطان هو إشغال المؤمنين عن الفرح بمجيء المسيح.
إن تركنا المعنى الحرفي لنتأمّل في تمتّعنا بملكوت الله داخلنا، فإنّنا نلاحظ إنه ما أن يقترب المؤمن بالروح القدس نحو مسيحه حتى يجد عدوّ الخير يشغله بمشاكل كثيرة، تخص الآخرين أو جسده أو العالم المادي المنظور، فتلهيه عن خلاص نفسه وتفكيره في الملك المسيح.
حدوث مضايقات:
لكي يتقبل الإنسان ملكوت الله داخله ينتقل من الضيقة العامة إلى الضيقة الخاصة،فيهيّج الشيطان أتباعه عليهم ليقتلوهم لا لذنب اقترفوه بل لآنهم من اتباع المسيح، وبالفعل هذا ما يحدث اليوم أمام مرأى جميع العالم لكي يتعظوا ويعرفوا ما سبب كل هذا الذي يحصل. فالضيقة هي إحدى ملامح الطريق الأساسية للملكوت، إذ يمتلئ القلب من الداخل فرحًا بالمسيح الساكن فيه، بينما يُعصر في الخارج بالضيق.
ظهور أنبياء كذبة:
لم يكتفي الشيطان ولم يهدأ باله حتّى يصوب سهامه الثلاثة ضد أبناء الملكوت. السهم الأول: هو خلق جو عام قابض للإنسان يسحبه بعيدًا عن حياته الداخليّة، السهم الثاني هو تصويب الضيق إليه شخصيًا من أجل المسيح، أمّا الثالث وهو الأخطر فهو تصويب السهم ضدّ الإيمان، لينحرف به بعيدًا عن مسار الملكوت. فإن كان من الجانب التاريخي يظهر أنبياء كذبة يضلّلون الكثيرين،ويظهرون بفلسفات جديدة غايتها أن تقدّم أفكارًا برّاقة فلسفيّة وأخلاقيّة بعيدة عن الحياة مع المخلّص واختبار عمل الروح القدس الناري فينا. إنهم يلبسون ثوب النبوّة أو التديّن، لكنهم مضلِّلون يقودون النفس بعيدًا عن سرّ حياتها الحقيقي. إن عمل الشيطان هو بث البرود الروحي في حياة الناس، خاصة خلال الأنبياء الكذبة، فإن الله هو وحده الذي ينزع هذا البرود." إن كان الله نارًا، فهو نار لكي يسحبنا من برود الشيطان... ليت الله يهبنا ألا يزحف البرود إلى قلوبنا، فإنّنا لا نرتكب الخطيّة إلا بعد أن تصير المحبّة باردة".هنا يقدّم لنا السيِّد وعدًا ليبعث فينا الرجاء ويقول: إنه صراع بين النور والظلمة، ينتهي بنصرة النور؛ مقاومة الباطل للحق تنتهي بتزكيَّة الحق ونموّه فينا.
رجسة خراب الهيكل: "فمتى نظرتم رِجْسَة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدّس، ليفهم القارئ".
ما هي رِجْسَة الخراب هذه؟
"ومتى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش، فحينئذ اِعلموا أنه قد اِقترب خرابها" (لو21: 20). فقد دخل الأمم الهيكل ودنَّسوه بل وحطَّموه تمامًا، وكان ذلك علامة نهاية الملكوت الحرفي، وقيام الملكوت الروحي. إن السيد المسيح تكلم بهذا عن الهيكل فإننا نرى اليوم الكنائس تحرق وتدمر من قبل أعوان الشيطان. فرجسة الهيكل تشير إلى ما يحدث في أيامنا هذه . فالسيد يسمِّيها رِجْسَة لأنه يأتي ضدّ الله ناسبًا كرامة الله لنفسه. إنها رِجْسَة خراب لأنه يدمر الأرض بالحروب والقتل. لذلك يطلب الله (من شعبه) أن يتركوا اليهوديّة ويهربوا إلى الجبال حتى لا يعوقهم أتباعه ولا يؤثِّرون عليهم.
وصايا للدخول في الملكوت: "فحينئذ ليهرب الذين في اليهوديّة إلى الجبال".
من الجانب التاريخي لما رأى المسيحيون الذين في أورشليم الرومان يحاصرونها، أدركوا ما سيحل بها من خراب، كقول الرب فهربوا سريعًا. هكذا ما يحدث اليوم عندما يدخلوا أتباع الشيطان أي مدينة فيضطر الناس للهرب إلى المناطق المجاورة الآمنة من الموت والذبح والقتل والحرق والإغتصاب أيضا. وفي حياتنا الروحيّة إذ نرى هيكل الحرف ينهار في داخلنا،يلزمنا أن نهرب إلى الأماكن الآمنة وأن نترك كل شي ورائنا ولا نلتفت إلى الوراء. فدعوة المسيح لنا بالهروب هي لكي نلتصق بالقديسين والشركة معهم. إذا علينا أن نحذر في الضيقة من النزول عن المرتفعات الروحيّة ونرتبط بالحياة الجسدانيّة. ومن تقدّم لا ينظر إلى الوراء فيطلب الأمور الأولى ويتردّد راجعًا إلى الأمور السُفليّة. إن كان أحد على السطح، أي سبق فصعد إلى القمة حيث الفضائل العُظمى، فلا يعود ينزل إلى أعماق الأرض وهذا العالم. ومن كان في الحقل الإلهي يعمل لحساب السيِّد المسيح فلا ينظر إلى الوراء، مرتبكًا حتى بضروريَّات الحياة كالأكل والشرب والملبس، إنّما ينسى ما هو وراء ويمتد إلى ما هو قدام، ناظرًا جعالة الله العُليا. النفس التي حبلت ولم تلد ثمرة الكلمة تسقط تحت هذا الويل، إذ تفقد ما حبلت به وتصير فارغة من رجائها في أعمال الحق. وأيضًا إن كانت قد ولدت لكن أطفالها لم ينتعشوا بعد.
يطالبنا السيِّد أن نصلّي ألا يكون هربنا في شتاء ولا في يوم سبت، أي لا تكون حياتنا قد أصابتها برودة الروح القاتلة كما في الشتاء، ولا حلّ بها وقت البطالة كما في السبت. فإن النفس الباردة والبطالة تسقط في خداعات المسيح الكذاب، ولا تقدر على ملاقاة رب المجد يسوع.
الضيقة العظمى:" "لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون".
سرّ الضيقة العُظمى هو ظهور ضدّ المسيح وأتباعه. إنها الضيقة العُظمى التي تحل بالكنيسة في أيام ضدّ المسيح، الذي يصنع لنفسه سِمة يَختم بها شعبه على يدهم اليُمنى أو جباههم (رؤ13: 15) ولا يقدر أحد أن يشتري أو يبيع إلا من له السِمة التي هي التجديف على الله. هكذا يُحرم المؤمنون من التعامل اليومي، إذ يرفضون رسم السِمة عليهم، ويضطرُّوا إلى الهروب إلى البراري أمام ضيقات ضد المسيح.
ظهور مسحاء كذبة: "حينئذ إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدّقوا".
حقًا إن فكر ضدّ المسيح له خداعاته، ليس فقط خلال العجائب المضلّلة، وإنما يحمل أحيانًا صورة التقوى والنسك دون قوّتها، فيظهر في البرّيّة ويلتف حوله الكثيرون، كما يتسلّل إلينا خِفية داخل القلب، معلنًا اهتمامه بنا شخصيًا.
ماذا تعني البرّيّة أيضًا إلا الحياة القفر من الإيمان، والخروج عن إيمان الكنيسة الجامعة، أمّا المخادع فتعني العمل في الظلمة بعيدًا عن نور الحق. لأن الأنبياء الكذبة الذين يتحدّث عنهم سيقولون أن المسيح في البرّيّة حتى يضلّوا البشر بعيدًا بواسطة الهرطقة، وفي المجامع السرّيّة (المخادع) لكي يأسرهم بقوِّة من هو ضدّ المسيح. مجيء ابن الإنسان الأخير لا تتبعه آيات ومعجزات ولا يظهر في البراري ولا خِفية، وإنما يأتي في الأعالي على السحاب فجأة، كالبرق يُشرق على المسكونة كلها، ليحملنا من كل أركان العالم، ويرفعنا إلى سماواته. أن المشارق والمغارب إنّما تُشير إلى النبوّات التي حملت إلينا نور الحق وقدّمت لنا حياة المسيح من مشرق ميلاده حتى مغارب آلامه وقيامته. ماذا يعني بقوله: "لأنه حيثما تكون الجُثّة فهناك تجتمع النسور؟" إن كان السيِّد المسيح قد قدّم جسده ذبيحة حب على الصليب فإن المؤمنين كنسور قويّة هائمة في السماويات لا تستقر إلا حول الصليب، تجتمع معًا لتَشبع بذبيحة الرب واهبة الحياة. يتحدّث عن النسور المقدّسة بسبب الطيران الروحي لأجسادهم مُظهرًا أن الملائكة تجمعهم معًا إلى موضع آلامه. وبطريقة لائقة ننظر مجيئه في مجد، فإنه بالنسبة لنا قد اقتنى السيِّد المجد الأبدي بتواضع آلامه الجسديّة.
إنهيار الطبيعة: "وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس، والقمر لا يعطي ضوءه، والنجوم تسقط من السماء، وقوات السماوات تتزعزع".
هذه الأمور ستتحقّق بلا شك حرفيًا قبل مجيء السيِّد المسيح الأخير. هذا ليس بالأمر العجيب، فإنّنا نعلم اليوم عن تساقط بعض النجوم وعن حدوث بعض انفجارات شمسيّة، هذا يتزايد جدًا في فترة ما قبل ضد المسيح وأثناءها للإنذار.
حقًا إنه لابد لكي يأتي ملكوت المسيح الأبدي في كمال مجده أن ينهار هذا العالم الحاضر، كقوله: "السماء والأرض تزولان" ، فيملك الرب علينا وفينا إلى الأبد، كما في أرض جديدة وسماء جديدة (رؤ21: 1)، لا تحتاج إلى شمس إذ يكون السيِّد نفسه شمسها، أمامه تفقد كل شمس بهاءها، ولا تحتاج إلى قمر حيث يُعلن بهاء الكنيسة كالقمر، ويُحسب المؤمنون ككواكب منيرة. الآن نهاية كل الحياة الزائلة، تزول هيئة هذا العالم الخارجي ليتبعه عالم جديد؛ يضيء المسيح نفسه بكونه الشمس الخليقة الجديدة وملكها. يمكننا أن نفهم هذه النبوّة كعلامات تخص الكنيسة نفسها وكل عضو فيها. إذ يرتدّ كثيرون عن المسيحيّة يظلم بهاء الإيمان بسحابة الارتداد، فإن الشمس السمائيّة تُظلم أو تُشرق ببهاء حسب الإيمان. أما النجوم، أي البشر، فيحيط بهم مديح إخوتهم المسيحيّين، ليسقطوا أثناء تصاعد مرارة الاضطهاد الذي لابد أن ينتهي ويكمّل عدد المؤمنين فيتزكَّى الصالحون ويظهر الضعفاء.
نستطيع أن نقول هنا إن قوات السماء تتزعزع بسبب اضطهادات الأشرار حيث يمتلئ بالخوف حتى بعض الثابتين في الإيمان جدًا.
ظهور علامة ابن الإنسان: "وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء".
بعدما تتشدَّد مملكة ضد المسيح لتُقاوم مملكة المسيح أي كنيسته، فتَظلمْ الشمس والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط وقوات السماوات تتزعزع، يأتي السيِّد نفسه في موكِبه الملائكي تتقدّمه علامة الصليب مُعلَنة في السماء، الأمر الذي يُفرِّح الكنيسة الحاملة للطبيعة السماويّة من أجل قدوم عريسها بينما يحزن جميع قبائل الأرض التي احتضنت ضد المسيح وصارت لا تطيق الحق. كم من مرة خلال احتلال قوات الشيطان الكنائس في عدة مدن فقاموا بتكسير الصلبان عن الكنائيس وإزالتها.وكم من مرة ظهر الصيب المقدس في السماء وعلى الكنائس لا بد ان الكثير منكم رأى هذه الظهورات والتي هي علامة النصر. إن كانت الشمس تَظلَم فإنه لا يمكن للصليب أن يظهر ما لم يكن أكثر بهاءً من الشمس! فلا يخجل التلاميذ من الصليب ولا يحزنون. إنه يتحدّث عنه كعلامة تظهر في مجد! فستظهر علامة الصليب لتُبكِم جسارة الشيطان وأتباعه. فإن النبوئة الآن تتحقق بظهور علامة ابن الإنسان اي السيد المسيح. أما السيِّد المسيح فيُسرع إلينا كما هو قادم من السماء، يدخل إلينا بمجده، مقدّمًا لنا صليبه علامة غلبته ونصرته فينا ولحسابنا وعلامة حلوله داخلنا. فتنهار كل خداعات العدوّ الكثيرة وكل شهوة جسديّة وفكر أرضي في داخلنا، وكأنها قد صارت قبائل الأرض الشرّيرة التي تنوح حين يظهر السيِّد فينا بقوَّة الروح ومجده السماوي العظيم.
مجيئه على السحاب:
سيرى البشر ابن الله بأعينهم الجسديّة قادمًا في شكل جسدي "في سحاب السماء"، أي قادمًا من السماء. وكما عند تجلِّيه جاء صوت من السحابة، هكذا يأتي مرّة أخرى متجلِّيًا في مجده، جالسًا لا على سحابة بل على سحابٍ كثيرٍ كأنه مركبة له!
إن كان عند صعوده إلى أورشليم كان الذين يحبّونه يبسِطون ثيابهم في الطريق حتى لا يطأ ابن الإنسان بقدميه على الأرض، راغبين ألا يلمس حتى الجحش الذي يركبه الأرض (مت 21: 8)، فأي عجب إن كان الآب إله الكل يفرش سحب السماء تحت جسد ابنه لأجل انقضاء الدهر؟
يمكن أن نفهم نحن مجيئه على السحاب بطريقتين:
أولا: إمّا أنه يأتي في كنيسته كما في السحاب، فإنه حتى الآن لا يمتنع عن أن يأتي، لكنّه يأتي فيما بعد بسلطان أعظم وعظمة، مظهرًا سلطانه وعظمته بالأكثر لقدّيسيه الذين يهبهم القوّة فلا تغلبهم تجربة عظيمة كهذه.
ثانيا: أو أنه يأتي في جسده الذي جلس به عن يمين الآب.
تفهم الأحداث الكبرى في علاقتها ببعضها البعض، فكما جاء في مجيئه الأول في تواضع هكذا سيأتي في مجيئه الثاني في مجده اللائق.
مثل شجرة التينة: "فمن شجرة التين تعلّموا المثَل".
بعد أن قدّم لنا السيِّد المسيح العلامات السابقة لمجيئه في نهاية الأزمنة كما في مجيئه ليملك علينا روحيًا ونحن على الأرض أي في حياتنا الروحيّة أراد أن يوجِّه أفكارنا إلى الجانب الروحي لا الاهتمام بالأوقات والأزمنة. كأنه يقول إن كنتم تعرفون أن تميّزوا الأزمنة فتُدركون أن الصيف قد اقترب خلال شجرة التين متى صار غصنها رخصًا وأخرجت أوراقها، فبالأولى والأهم أن تتطلّعوا إلى هذه العلامات التي قدّمتها لكم، وكأنها شجرة تين من خلالها تعرفون أن وقت مجيئه قد اقترب وكأنه صيف. شبَّه السيِّد مجيئه بالصيف لأنه يقدّم لنا جوًا حارًا للحب، حيث يلتهب قلبنا بأكثر حب عند رؤيتنا لعريس نفوسنا قادمًا فينا وإلينا. والصيف هو زمن الحصاد (إر8: 20)، فيأتي الرب ليحمل فينا ثمره الروحي فيفرح بنا.
أما قول السيِّد: "الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كلّه". فيشير إلى أمرين:
أولا: يُشير إلى تحقيق العلامات الخاصة بدمار الهيكل اليهودي على يدي القائد الروماني تيطس عام 70م، لإعلان مجيء الرب في هيكل جديد.
ثانيًا: يريد ربّنا أن يوجِّه أنظارنا إلى مجيئه الداخلي فينا وإعلان مجده في القلب... فإنه وإن كنّا نترقَّب يوم الرب العظيم لكن عملنا الآن هو التمتّع بحلوله داخلنا وتجلِّيه المستمر فينا.
تأكيد مجيئه: "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول".
ما أعلنه السيِّد إنّما هو كلمته الخالدة التي لا تزول، فإن السماء والأرض تزولان، أمّا كلامه فلن يزول. ما هي السماء إلا نفوسنا التي ترحل من هذا العالم، والأرض هي جسدنا الذي يعود إلى التراب إلى أن يأتي "كلمة الله" الذي لا يزول، فتعود السماء جديدة فيه وأيضًا أرضنا.
إن السيِّد قادم لا محالة، أمّا تحديد الأزمنة فليس من عملنا، ولا هو من رسالتنا، بل هو عمل الله المدبّر للأزمنة. السماء والأرض بحقيقة خلقتهما لا يحويان داخلهما التزام بالخلود الدائم، أمّا كلمات المسيح الأزليّة فتحل داخلها البقاء الدائم. كأنه يقول أن كل ما يبدو باقيًا لا يبقى إلى الأبد، وما يبدو لكم زائلًا يبقى ثابتًا بلا تغيير! إن كلماتي تعبِّر عن الأمور التي بلا تغيير.
الاستعداد لمجيئه: "وكما كانت أيام نوح كذلك أيضًا مجيء ابن الإنسان".
يقدّم لنا السيِّد المسيح الطوفان الذي أنقذ نوح وعائلته، وأهلك البشريّة الشرّيرة مثالًا لمجيئه، حيث ينعم أولاد الله بالإكليل الأبدي، ويدخلوا إلى المجد، كما إلى الفلك، بينما يهلك الأشرار كما في الطوفان. لقد كان الأشرار غير مستعدّين، انسحبت قلوبهم إلى الاهتمام بالأكل والشراب والزواج ولم ترتفع قط إلى الله. حقًا إن الأكل والشراب والزواج هذه جميعها في ذاتها ليست بشرّيرة، وإنما تتحوّل إلى إله لمن يُستعبد لها، فيصير قلبه كلّه مرتبكًا بسببها، هذه بعينها تُحسب مباركة ومقدّسة بالنسبة للقلب المقدّس في الله.
ولكي يؤكّد السيِّد أن الاستعداد إنّما هو عمل داخلي، قال: "حينئذ يكون اثنان في الحقل، يؤخذ الواحد ويُترك الآخر. اثنتان تطحنان على الرحَى، تؤخذ الواحدة وتترك الأخرى". لا يمكن للإنسان أن يُدرك أسرار قلب أخيه، فبينما يعمل رجلان معًا في حقلٍ واحدٍ، وتعمل امرأتان معًا على رحى واحدة، إذا بالواحد يحمل قلبًا مرتفعًا نحو السماويات والآخر يرتبك بالأرضيّات. واحد يعمل ويشكر الله ويمجِّده، والآخر يعمل لخدمة بطنه وإشباع شهواته مرتبكًا بالأمور الزمنيّة.
إذًا لنسهر لا بالمفهوم الجسدي الظاهر وإنما بالقلب والحياة الداخليّة خلال انتظار مجيئه. فالقلب الساهر يكون كالعروس المشتاقة إلى عريسها، يأتيها السيِّد، فتفرح وتتهلّل، أمّا القلب المتهاون والنائم يأتيها يوم الرب كلصٍ يسطو على البيت. القلب اليقظ يفرح ويُسر كلما اقتربت الساعة، أمّا القلب الخامل فيُفاجأ به ليحزن ويخسر كل ما كان يظن أنه يملكه! هكذا يدعونا الرب للسهر لملاقاته دون تحديد موعد مجيئه.ليس من صالحنا أن نعرف الأزمنة فجهلنا لها يجعلنا نخاف ونسهر فينصلح حالنا.
مثل العبد والسيد القادم:
إننا كعبيد أقامنا السيِّد على خدامه لنعطيهم الطعام في حينه، من كان أمينًا يعرف كيف ينمِّي بالروح القدس كل طاقاته ومواهبه وأحاسيسه ودوافعه في الروح فيمتلئ ثمرًا، فيأتي سيّده ويقيمه "على جميع أمواله". فيجعله ملكًا ينعم بميراثٍ أبديٍ وإكليل لا يفنى. أمّا الذي يضرب العبيد رفقاءه فيحطَّم ما وهبه الله من طاقات ومواهب وأحاسيس ودوافع، فلا تنمو في الروح بل تتعثّر وتضمر، فيُقطع ويصير نصيبه مع المرائين.
يحدّثنا عن الجسد كخادم نهتم به في الرب، يعمل مع النفس لحسابه، قائلًا: [حقًا لقد أقام الله فينا الأعين والفم والسمع بهذا القصد، أن تخدمه جميع أعضائنا، فننطق بكلماته ونفعل أعماله، ونتغنَّى له بالتسابيح الدائمة، ونقدّم له ذبائح الشكر. ونقدّم له ذبائح الشكر أليس إن وُجدَت عينا الجسد في دخان تبكيان على الدوام، وإن وُجِدَتا في هواء نقي ومُروج وينابيع وحدائق تصيران بحدَّة وفي أكثر سلام؟ هكذا أيضًا بالنسبة لعين النفس، فإنها إذ تتقوَّت على مروج الأقوال الروحيّة تصير نقيّة وحادة البصر، لكنها إن رحلت إلى دُخَّان أمور هذه الحياة فإنها تبكي بلا حدود، وتبقى في عويل ههنا وفيما بعد. لهذا قال أحدهم: "فنَتْ أيامي كالدخان" .
أحيائي: بهذا أكون قد قدمت لكم شرحا وافيا عن الدينونة بجميع جوانبها لإارجو من الله عز وجل أن نستفيد منها وأن نعمل بها لخلاص نفوسنا.
الأب الياس عبدو
المرشد الروحي
أخوكم: أبن السريان

موقع نسور السريان
أضف رد جديد

العودة إلى ”منتدى الأب ألياس عبدو“