احـــد شـــفـــاء الـــمـــخـــلـــع

المشرفون: الأب الياس عبدو،مشرف

صورة العضو الرمزية
ابن السريان
مدير الموقع
مدير الموقع
مشاركات: 4439
اشترك في: الخميس إبريل 23, 2009 4:36 pm

احـــد شـــفـــاء الـــمـــخـــلـــع

مشاركة غير مقروءة بواسطة ابن السريان »

احـــد شـــفـــاء الـــمـــخـــلـــع
الخطيئة هي الموت وهي التي تقعد الإنسان وتشله وتبعده عن الله، فقد غفر المسيح أولا خطايا المقعد ومن ثمّ أحيا جسده المشلول وقال له قم إحمل فراشك وامشي.
عجيبة شفاء المخلع في هذا النص الإنجيلي تختلف عن كل العجائب الشفائية الأخرى، فالمريض لم يتكلم كلمة واحدة، ولا أظهر إيمانه، لكن الرب إذ رأى إيمان أقربائه وأحبائه الذين أحضروه شفاه من عاهته، لأنه في حالات كثيرة لا يطلب إيمان المريض فقط، خاصة عندما يكون فاقد الحواس، بل إيمان وصلاة أهل بيته التي تشفع له وتنجيه.
أحبائي: إن الأحداث تتوالى من بدء الصوم الأربعيني المقدس من شفاآت متتالية على يد السيد المسيح فنراه يشفي الأبرص من برصه واليوم يشفي المخلع، وهناك كتير من الشفاآت سنتكلم عنها في مناسباتها.فكل ذلك كان حول فعل الإيمان الشخصي وأيضا بعلاقة شخصية فردية. فهم بمفردهم وبمبادرة شخصية ومن حاجتهم أتوا إلى يسوع ونالوا الشفاء وعادوا إلى الحياة الطبيعية. ولكن في هذا الأحد، أحد المخلع نرى يسوع يشفي المخلع ليس لإيمانه هو!!!ولكن لإيمان الأشخاص الأربعة الذين حملوه وتحدوا الصعوبات، فنبشوا السقف، فما كان من يسوع الذي رأى إيمانهم إذ قال للمخلع" مغفورة لك خطاياك" معيدا لهذا المخلع الصحة الروحية. وبعدها وتأكيدا على الشفاء الروحي الذي لا يرى، قال للمخلع"قم إحمل سريرك وامشي" لكي يرى المشككون الصحة الروحية بصحة الجسد(ألسنا نقول العقل السليم بالجسم السليم)؟ وفي هذا رمز ودعوة. دعونا نتحدث عن المعنى الحقيقي للرمز والدعوة:
الرمز هنا: يِرمُزُ الأَشخَاصُ الأَربَعَة إِلَى الكَنِيسَة الَّتِي تَحمِلُ المَرِيضَ (نَفساً وَجَسَداً) إِلَى يَسُوع لِيُعِيدَ إِلَيهِ الحَيَاةَ السَّوِيَّة.
فَهَل نَحمِلُ هَؤُلاء الأَشخَاص إِلَى يَسُوع أَقَلَّهُ فِي صَلاتِنَا أَم نَتَحَامل علَيهِم بِكَلامِنَا وَالتَّهَكُّمِ عَلَيهِم فَنَصِلَ بِهِم إِلَى اليَأْسِ وَفُقدَانِ الأَمَلِ بِالشِّفَاء !فَنَخسَرَهُم كَأَعضَاء أَحيَاء بَينَنا وَنَجعلهم أَعضَاءَ مَوتَى فِي عَالَمِ الأَحيَاء.!
أما الدعوة: لأن نحمل بعضنا بعضاً كما فعل الأربعة مع المخلّع، فإن سُدَّت كلّ طرقات العالم ستبقى وسائل وطرق كثيرة للوصول إلى الربّ!
ونحن نرى كم هناك من الجموع التي تمنعنا من الدخول من الباب بحجج مختلفة، تارة متطلبات الحياة وطوراً ثقافات جديدة أو عدم وجود الوقت! أمورٌ كثيرة تفتّر الإيمان وتقعده في الزاوية ونعيش واقفين مكاننا وسط الجموع التي تقطع الطريق كما حاولت الجموع منع أعمى أريحا من الصراخ وكنا رأيناها كيف حاولت منع النازفة من لمس طرف رداء المعلم.
فحينما نلتقي مع السيد المسيح - أينما وجدنا - ندخل معه إلى مدينته الروحية "كفرناحوم الروحية"، فيكون لنا الموضع للنياح الحقيقي والراحة الداخلية. وجوده يهب نياحًا حتى وإن أُلقينا مع الفتية في أتون النار، أو مع دانيال في جب الأسود، أو مع يونان في وسط المياه. هو واهب الراحة الحقيقية! لقاؤنا مع السيد يجعل من نفوسنا كفرناحوم، وحرماننا منه يجعلنا منها "كفر العذاب".
"وللوقت اجتمع كثيرون حتى لم يسع ولا ما حول الباب، فكان يخاطبهم بالكلمة. وجاءوا إليه مقدمين مفلوجًا يحمله أربعة. إذ لم يقدروا أن يقتربوا إليه من أجل الجمع، كشفوا السقف حيث كان وبعدما نقبوه دلوا السرير الذي كان المخلّع مضجعًا عليه. فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمخلّع: يا بني مغفورة لك خطاياك".
و من هذا النص نلاحظ الآتي :
يقدم لنا الإنجيلي مرقس السيد المسيح صاحب السلطان الذي متى حلّ في بيت امتلأ من الجماهير وفاض،
حتى لم يستطع ما حول الباب الخارجي أن يسع هذه الجماهير القادمة، لا لتتملقه أو تنتظر مكسبًا أدبيًا أو اجتماعيًا أو ماديًا، إنما تترقب الكلمة الخارجة من فيه لتشبع أعماقهم، وتشفي جراحاتهم الداخلية.
هذا هو المسيا خادم البشرية بكلمة محبته وخدمته غير المنقطعة!
لعل هذا البيت أيضًا يشير إلى القلب الذي يدخله السيد ليملك على عرشه الداخلي، ويقيم مملكته فيه كوعده "ملكوت الله داخلكم" (لو 17: 21).
متى حلّ السيد في القلب اجتمعت كل طاقات الإنسان وقواه الروحية والنفسية والجسدية وأحاطت به كجماهير بلا حصر، فلا يعيش القلب بعد في فراغ ولا في تشتيت بل يتركز حول مخلصه بكل الإمكانيات.
والعجيب أن الذهن ينزل من السطح بالتواضع إلى حيث السيد المسيح الذي من أجلنا اتضع، فلا يكون نموه الروحي عله الكبرياء أو تشامخ أو تبرير ذاتي بل علة لقاء مع المسيح المتواضع. تسربل يا أخي بالتواضع كل حين فإنه يلبس نفسك المسيح معطيه.
إن كان الرجال قد قدموا بالإيمان المريض فشفاه السيد بإيمانهم فيرى البعض أن المخلّع نفسه أيضًا كان له إيمانه الذي عبر عنه بقبول حمله وتدليته من السقف وإن كان إيمانًا خافتًا وضعيفًا. على أي الأحوال هؤلاء الرجال الأربعة يشيرون إلى الكنيسة كلها كهنة وشعبًا، إذ يلتزم أن يعمل الكل معًا بروح واحد في اتزانٍ، لكي يقدموا كل نفس مصابة بالفالج للسيد المسيح.
ينبغي أن يكون لكل مريض شفعاء يطلبون عنه لينال الشفاء، فبشفاعتهم تتقوى عظام حياتنا اللينة ويستقيم اعوجاج أعمالنا بدواء كلمة الحياة. ليوجد إذن مرشدون للنفوس يترفقون بروح الإنسان التي قيدتها ضعفات الجسد. فالكهنة يشكلون الروح، يعرفون كيف ترتفع وكيف تتواضع لتقف أمام يسوع، إذ "نظر إلى تواضع أمته" (لو 1: 48)، ينظر إلى المتواضعين. ما أجمل أن تكون صلواتنا عرضًا أمام الله باشتياق حقيقي أن يتمم إرادته فينا.
ما هو السقف المكشوف الذي قدم خلاله الرجال الأربعة المخلّع إلا البصيرة الروحية المفتوحة أو الإدراك الروحي.
حينما ينزع السقف الطيني أو المادي ينفتح القلب على الله وينعم بالمحبة معه.
إذ رآه السيد المسيح قال له: "يا بني".
يا للعجب، ويا لقمّة التواضع، الكهنة يستنكفون من لمس المخلّع، والخالق يدعوه ابنا له!
هذه هي أبوة الله للبشرية، يشتاق أن يرد كل نفس ساقطة بالبنوة إليه بشركة أمجاد أبيها السماوي!
كان يليق بالكتبة أن يفرحوا إذ رأوا المخلّع ينعم بغفران خطاياه وشفاء نفسه، لكنهم إذ كانوا متقوقعين حول ذواتهم رأوا في كلمات السيد تجديفًا وهروبًا من شفاء الجسد، فقالوا: "لماذا يتكلم هذا هكذا بتجاديف؟ من يقدر أن يغفر خطايا إلا الله وحده"؟
لم يأخذ السيد موقفًا مضادًا منهم، إنما في محبته اللانهائية أراد أيضًا أن يشفي نفوسهم مع نفس المخلّع فأوضح لهم أمرين:
الأول أنه عارف الأفكار، إذ قال لهم: "لماذا تفكرون بهذا في قلوبكم"؟
لعلهم يدركون أن الذي يفحص القلوب ويعرف الأفكار (إر 7: 10؛ مز 33: 15) قادر على غفران الخطايا.
أما الأمر الثاني فهو تصحيح مفاهيمهم، إذ حسبوا أن شفاء الجسد أصعب من شفاء النفس، لهذا أوضح لهم أنه يشفي الجسد المنظور لكي يتأكدوا من شفائه للنفس وغفرانه للخطايا وهو الأمر الأصعب.
على أي الأحوال يقول القديس يوحنا الذهبي الفم (لقد أربكهم بنفس كلماتهم، فكأنه يقول: لقد اعترفتم أن غفران الخطايا خاص بالله وحده، إذن لم تعد شخصيتي موضع تساؤل).
لقد أكد لهم "ولكن لكي تعلموا أن لإبن الإنسان سلطان على الأرض أن يغفر الخطايا، قال للمخلّع: لك أقول قم، واحمل سريرك، واذهب إلى بيتك".
إن كان قد أمره بحمل سريره ليُعلن أن الشفاء حقيقة واقعة ملموسة، وليؤكد أنه الله الذي يغفر خطايانا، إنما لنقوم معه ونحيا بقوة قيامته، نمارس وصيته ونتمم إرادته بالعمل الإيجابي، حاملين سريرنا إلى بيتنا الذي تركناه أي كنيستنا أو فردوسنا المفقود.
يقول الإنجيلي: فقام للوقت وحمل السرير وخرج قدام الكل حتى بُهت الجميع، ومجدوا الله، قائلين: ما رأينا مثل هذا قط".
أحبائي إن شفاء المخلّع كان بركة للمريض نفسه الذي تمتع بغفران خطاياه كما بصحة جسده، وفرصة لكي يتحدث الرب مع الكتبة معلنًا لهم أنه المسيّا، وأيضًا للجماهير التي بهتت، قائلة: "ما رأينا مثل هذا قط".
نرى أن هذه الجماهير تشير إلى أفكارنا التي تتمتع برؤية روحية سليمة ونقاوة عند غفران خطايانا، فتقف مبهورة أمام السيد المسيح واهب الشفاء.
حقًا أن النفس التي أصيبت بالفالج إذ تسمع صوت طبيبها السماوي وتنعم بعمله فيها وتتذوق رؤيته تبهر به ولا تطيق الحرمان منه.
وكقول القديس سابا من رآه ثم احتمل ألا يراه؟ من سمع صوته واحتمل أن يعيش بدون سماع صوته؟ من استنشق رائحته ولم يجيء حالاً ليتنعم به آمــــيـــــــــــن.
في خاتمة هذه الإعجوبة توترّ بين جموع الناس التي آمنت بيسوع وبأن سلطانه من الله، وبين الكتبة الذين قالوا إن هذا السلطان إنما هو من الشيطان ( 12: 24 ). لكن ما حدث مع المخلّع سبق فأوضح نتيجة كلّ من الموقفين.
سماع كلام الله ولّد الإيمان بقدرة المسيح الإلهية والمحبة تجاه المحتاج لدى الرجال الأربعة الذين حملوا المخلّع الى يسوع. وبرجاء وطيد ثقبوا السقف ودلّوا السرير الذي كان المخلع عليه. الايمان والمحبة والرجاء، هذه ثمار سماع كلام الله، تقدمها اللوحة الانجيلية التي تنطبق. على الافراد والجماعة، مخلعين كانوا ام حاملين المخلع، فيما المسيح هو هو امس واليوم والى الابد ( عبرانيين 13/8)، يغفر الخطايا ويشفي الأمراض ويقدس الاوجاع.
فلنصلي هذه الصلاة لكي لا يسود وجهنا الخجل في اليوم الأخير....
حرّرنا ايها الرب يسوع من مغريات الارض، لنسعى الى اكتساب القيم الروحية والثقافية والاجتماعية، تعزيزاً لها. حقق فينا حضارة الوجه التي تعكس جمال وجهك، وجه الحرية والعدالة، المحبة والسلام. اهّلنا لاحتمال كل شيء ينال من كرامتنا، لكي تسلم القيم ويتعزز الخير العام. اعطنا ان نرتضي العار في هذه الدنيا، راجين ألاّ يسود وجهنا الخجلُ في اليوم الاخير. لك المجد الى الابد.
آمــــــــــيــــــــــن.
الأب الياس عبدو
المرشد الديني
أخوكم: أبن السريان

موقع نسور السريان
أضف رد جديد

العودة إلى ”منتدى الأب ألياس عبدو“