تركيا مع سورية قطب إقليمي ومن دونها قزم يتـرنح

صورة العضو الرمزية
abo mream
مشرف
مشرف
مشاركات: 87
اشترك في: الخميس أغسطس 04, 2011 9:21 pm
مكان: الامارت العربية المتحدة ابو ظبي

تركيا مع سورية قطب إقليمي ومن دونها قزم يتـرنح

مشاركة غير مقروءة بواسطة abo mream »

تركيا مع سورية قطب إقليمي ومن دونها قزم يتـرنح

مخائيل عوض
كما كانت على مر التاريخ القديم، والحديث وعلى ما اختاره الله لها من وظيفة، وبما منحتها الطبيعة والموقع الجغرافي، إلى خاصية الإنسان الخلاق والمبدع....تشكلت أساس الكون، والعمود الحامل لاستقرار الكرة الأرضية فوصفها القدماء بأنها عمود السماء.
لم تقم إمبراطورية في الإقليم ولم تعبر إليه إمبراطورية وتصبح كونية إذاً لم تحسم أمرها فيها، وعلى حوافها في زوايا صناعة مستقبل تاريخ الإنسانية تقع بين بغداد وبيروت والقدس...
هي سورية قلب العروبة النابض، ونقط توازن الاستراتيجيات الكونية، والمعبر إلى المياه الدافئة، متربعة على بحيرة المتوسط التي هي أشبه بطاولة حوار دائمة الانعقاد بين أوروبا والعرب وبيئتهم الإسلامية والشرقية.... أن تحالفها وأن تفهمها وتتعرف إليها يعني أنك اشتققت لنفسك ولدولتك مكانة إقليمية تعبر عبرها إلى العالمية.
أن تعارضها أو تتعارك معها وتحاول لي ذراعها فأنت إذاً قزم لا تقوى على القيام والتحول إلى قوة معترف بقوتها ومكانتها....
في يسارها تمسك بالجهادية القومية ذات العقيدة من القدس وغزة وكذلك في بغداد، وفي يمينها تمسك بشقيقتها المقاومة القومية المسماة المقاومة الإسلامية, ولم تغير من علمانيتها، وعروبتها وانتصابها طودا في وجه محاولات الغرب لإسقاط العرب والاستيلاء على العالم الإسلامي وإخضاع العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط الجميع تحت القبضة الأمريكية يلوذون بالحماية أو بالتقليد والتبعية.
على خطوط التماس الكونية تتربع، متحكمة برياح الأرض الأربع ولها قول فصل في تقرير مسارات نتائج المعارك الكبرى كانت وتبقى وعادت من مدخل العاصفة التي ضربت العرب ونضج ظروفهم الثورية التي يحاول الانقلابيون إعادة عقارب زمنهم إلى الوراء بأخذهم إلى الفوضى والاحتراب ولأنها هي الماسكة بيد العرب والرائدة في عالمهم وتنويرهم والقابضة على جمر قضاياهم، استهدفت على نحو لم يسبق أن استهدف سواها بهذه الهجمة العاتية فانقلب الهرم عقبه على رأسه وتغيرت المعطيات والمواقف حدياً وبصورة متسرعة...
والشاهد الأقوى على حقيقتها ومكانتها، النموذج التركي وما آل إليه في عهدة أردوغان وصحبه....
يوم فتحت ذراعيها لحزب العدالة والتنمية، وفتحت أسواقها وقلبها تستعيد الأخ والجار من غربته، وتحاول معالجة جراحات الماضي ببلسم التعاون والتكامل الاقتصادي والاجتماعي تفاعلاً مع حقائق العصر وقيمه في الوحدات ما فوق القومية، تعملقت تركيا، وتحولت أشرعتها إلى الشرق عبر البوابة السورية، فزادت من وفرتها المالية وتطورت بناها الاقتصادية وصادراتهما، وتعززت علاقتها بإيران، وبالشرق وآسيا وبدأت ترتسم في ملامح مستقبل المنطقة والعالم قوة إقليمية صاعدة قادرة مع جيرانها على إحداث التغيير المطلوب لتوليد العالم الجديد...
احتضنتها سورية، وأعادتها إلى تاريخها وجغرافيتها بدل أن تبقى تنتظر على قارعة طريق الاتحاد الأوروبي لخمسين سنة ذليلة قاصرة تعامل بازدراء فصارت لتركيا صولة وجولة ومكانة وكادت تنتمي إلى عالم الشرق وتقيم مع سورية وإيران قوة البحار الخمسة القادرة على تأمين العالم واستقراره وحفظ ثروته وتوزيع موارده بالحق وبالتكاملية وبالقيم الفعلية....
بيد أن حسابات الحقل لا تطابق حسابات البيدر، عندما تهب العاصفة على من لا يملك الرسوخ والحكمة والعقل الراجح...
أخذت العاصفة ثنائي أردوغان وأوغلو إلى حلم بعث العثمنة الجديدة، فارتبك الموقف من الأزمة الليبية، ومن التعامل مع الأزمة المصرية والتونسية، وتصور الثنائي أن عالم الاخوانجية قد دنت ساعته، وأن العثمانية هي بيت الخلافة، وأن حزب العدالة والتنمية وتجربته ومكانته في أذهان جماعات الإسلام السياسي العربي قوة قاطرة....
تجرأت حكومة أردوغان على التدخل في سورية، بالأستذة على شعبها وقيادتها، ثم بالتلويح بالتدخل العسكري وغزو أراضيها، فاحتضان المعارضات محاولة وفبركتها وتسليحها وتمويلها، وعينها على دمشق حيث تكون بوابات التاريخ الجديد للعرب والمسلمين ومكانة صياغة التوازنات الإقليمية والدولية....
فقدت الأردوغانية صوابها، وأصابها العمى السياسي، والعهر الإعلامي، فتنكرت للمودة التي كانت مع دمشق وحلب وصارت عدواً معلناً، تقيم على أرضها الدروع الصاروخية الأمريكية وتعود إلى العلاقات العسكرية الاستراتيجية مع «إسرائيل» وتغفر لها مجزرة مرمرة، وكأن فلسطين لم تعد هماً و التزاماً ولا عاد يشكل فك الحصار عن حماس في غزة هماً، فكل شيء صار آجلاً حتى تسقط دمشق تحت سيطرتها فتستعيد عبرها مجداً غابراً لا يعود ولن يعود...
مرت الأيام والأشهر، والأردوغانية تنتظر تحقيق أوهامها، وتروح يساراً ويميناً وتفرك يديها وتقلب ساعتها، وحاول أوغلو أن يكون معلماً للعرب في جامعة المستعربين يأخذ مقعد سورية، ويملي على عربانها الأوامر، وصار حديث الأردوغانية وخطابها طائفياً مذهبياً، يطلب للإخوان شراكة ولسورية نظاماً محاصصاً على ما في لبنان وما ابتلي به العراق تحت الاحتلال....
مرت الأيام، وصار كلام أردوغان وتهديداته نكتة ومثار ضحك لمن يسمعه...
وصارت الحصيلة بعد السنة ونصف السنة من التدخل التركي الجاهل في الأزمة السورية عبئاً على تركيا، وشعبها، ومكانتها وسيادتها ووحدتها، فضربت فيها اللعنة الطائفية والمذهبية والإثنية، وتعطلت تسويات الأزمة الكردية، وتصدعت الوحدة الوطنية بين الأتراك بسبب ولاءاتهم وانتماءاتهم المذهبية والطائفية، فتراجعت قدرات تركيا ومكانتها، وتقلصت أوهامها، فلا هي مقبولة في الاتحاد الأوروبي المأزوم اقتصادياً والمحفوف مستقبله بمخاطر الانهيار والتفكك، ولا هي مقبولة من الشرق ومحيطها بعد أن ظهرت قيادتها صبيانية عصابية ومرتبكة وواهمة...
والأزمة الضاربة بتركيا لا تقتصر على الأزمة الكردية والتصدعات الطائفية، والقمع السافر الذي تمارسه حكومة أردوغان بل ضربت في المؤسسة العسكرية والأمنية، وفي بنية المجتمع عميقاً، إلى ظهور عناصر ومؤشرات انفجار الفقاعة الاقتصادية التي صنعتها أمريكا والغرب لتسويق أردوغان وإسلاميته الوسطية، وصار الاقتصاد التركي يترنح بسبب تراجع الصادرات عبر سورية، وانكفاء إيران عن تدعيم الأردوغانية، ونقزة الصين وروسيا، وتراجع الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي وأمريكا المأزومتين على تخوم الانهيار.
هكذا تقول سورية مرة بعد الألف كلمتها: من حالفنا ومن لحق بنا خير له ومن تركنا وتأمر علينا فخير لنا.
ليحفظ الدرس المكرر, هنا بدأ التاريخ وهنا يصنع مستقبل الإنسانية، هنا تكون الإمبراطوريات وهنا تندرس وهذه شهادة النموذج التركي، فأين كانت تركيا المتفاهمة مع سورية, وأين هي تركيا المعادية لسورية اليوم؟
أضف رد جديد

العودة إلى ”قسم عام“